الخميس

[المفهوم الصحيح للتحريش]


المفهوم الصحيح للتحريش

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:
إخواني السلفيين حفظكم الله ورعاكم، أحببت في هذا المقال أن أتكلم على المفهوم الصحيح للتحريش، لأننا نسمع بين الحين والآخر من يدندن حول التحريش، وأُستخدم في عدة أمور منها:
1-في غير موضوعه الصحيح.
2-في رد الحق والنصح والتوجيه.
3-في التشويه بأهل الحق الناصحين، وإظهارهم في مظهر المعتدين، وأصحاب الفتن.

وقبل أن نبدأ بتفصيل ذلك نعرج على تعريف التحريش لغة وشرعًا:

فأقول مستعينا بالله العظيم:
التحريش لغة:
قال محمد بن فتوح الأزدي رحمه الله  في «تفسير غريب ما في الصحيحين»(ص: 224) :«حرش: بَين الْقَوْم يُحَرِّش تحريشا إِذا أغرى بَينهم وأفسد قُلُوبهم وأخرجهم إِلَى التباغض» اهـ
وقال ابن الأثير رحمه الله  في «النهاية »(1 / 368) :«  وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّحْرِيش بَيْنَ البهائِم» هُوَ الْإِغْرَاءُ وتَهْييجُ بَعْضِهَا عَلَى بعضٍ كَمَا يُفْعل بَيْنَ الْجِمَالِ والكِبَاش والدُّيوك وَغَيْرِهَا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَد فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيش بَيْنَهُمْ» أَيْ فِي حَمْلهم عَلَى الْفِتَنِ والحرُوب.» اهـ وحديث «التحريش بين  البهائم» ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في «الضعيفة» تحت حديث رقم (6878).
وقال ابن منظور رحمه الله  في «لسان العرب» (1 / 166) :«نزأ: نَزَأَ بَيْنَهُمْ يَنْزَأُ نَزْءاً ونُزُوءاً: حَرَّش وأَفْسَد بَيْنَهُمْ. وَكَذَلِكَ نَزَغَ بَيْنَهُمْ. ونزأَ الشيطانُ بَيْنَهُمْ: أَلْقَى الشَّرَّ والإِغْراءَ» اهـ.
وقال ابن منظور رحمه الله في «لسان العرب» (6 / 279) :« حرش: الحَرْش والتَحْرِيش: إِغراؤُك الإِنسانَ والأَسد لِيَقَعَ بقِرْنِه. وحَرَّش بَيْنَهُمْ: أَفْسد وأَغْرى بعضَهم ببَعض. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّحْرِيشُ الإِغراء بَيْنَ الْقَوْمِ وَكَذَلِكَ بَيْنَ الْكِلَابِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه نَهَى عن التحْريش بَيْنَ الْبَهَائِمِ ، هُوَ الإِغراء وَتَهْيِيجُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا يُفْعل بَيْنَ الْجِمَالِ والكِباش والدُّيُوك وَغَيْرِهَا« اهـ
ويقال التوريش: التحريش، يقال: ورَّشت بين القوم وأرَّشت » اهـ. "لسان العرب»(8/ 4812).
وقال الأزهري في «تهذيب اللغة» (8 / 254) :« قال أبو عبيد: التقريش: التحريش» اهـ.

والتحريش شرعا:
لاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلتَّحْرِيشِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وقد ثبت عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهما ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ»  رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله في « شرح مسلم» (17/ 156):« مَعْنَاهُ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَهْلُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ وَنَحْوِهَا» اهـ.
وقال أبو إسماعيل الهروي رحمه الله في« ذم الكلام » (1/ 65):« وَلَكِنْ رَضِيَ بِالتَّحْرِيشِ: وَهُوَ الْمِرَاءُ فِي الدِّينِ، ذَرُوا الْمِرَاءَ .. ...» اهـ
وقال الطيبي رحمه الله في « شرح المشكاة» (6/ 2021):« ولكن في التحريش بينهم» أي إيقاع الفتنة والعداوة والخصومة والقتل» اهـ
 وقال علي قاري رحمه الله  في «مرقاة المفاتيح»(1/ 143):«  (وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ) : خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هُوَ فِي التَّحْرِيشِ، أَوْ ظَرْفٌ لِمُقَدَّرٍ أَيْ يَسْعَى فِي التَّحْرِيشِ (بَيْنَهُمْ) أَيْ: فِي إِغْرَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالتَّحْرِيضِ بِالشَّرِّ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَتْلٍ، وَخُصُومَةٍ، وَالْمَعْنَى لَكِنَّ الشَّيْطَانَ غَيْرُ آيِسٍ مِنْ إِغْرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى الْفِتَنِ بَلْ لَهُ مَطْمَعٌ فِي ذَلِكَ » اهـ.
وقال علي قاري رحمه الله  في «مرقاة المفاتيح» (8/ 3151):« وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ (فِي بَابِ الْوَسْوَسَةِ) . أَيْ لِكَوْنِهِ أَنْسَبَ بِهِ فِي حَاصِلِ الْمَعْنَى، لَاسِيَّمَا صَدْرُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيشُ مُفَسَّرًا بِالْمَعَاصِي الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا عُنْوِنَ بِهَذَا الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ» اهـ.
وقال المناوي رحمه الله في « فيض القدير» (2/ 356):« أي في إغراء بعضهم على بعض وحملهم على الفتن والحروب والشحناء قال القاضي: والتحريش الإغراء على الشيء بنوع من الخداع من حرش الضب الصياد خدعه» اهـ
وقال البغوي رحمه الله في « شرح السنة» (13/ 104):« قُلْتُ: التَّحْرِيشُ: إِيقَاعُ الْخُصُومَةِ وَالْخُشُونَةِ بَيْنَهُمْ» اهـ.
وقال الذهبي رحمه الله في «الكبائر» (ص: 211):« فَكل من حرش بَين اثْنَيْنِ من بني آدم وَنقل بَينهمَا مَا يُؤْذِي أَحدهمَا فَهُوَ نمام من حزب الشَّيْطَان من أشر النَّاس كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم بشراركم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ شِرَاركُمْ المشاؤون بالنميمة المفسدون بَين الْأَحِبَّة الباغون للبرءاء الْعَنَت والعنت الْمَشَقَّة وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة نمام والنمام هُوَ الَّذِي ينْقل الحَدِيث بَين النَّاس وَبَين اثْنَيْنِ بِمَا يُؤْذِي أَحدهمَا أَو يوحش قلبه على صَاحبه أَو صديقه بِأَن يَقُول لَهُ قَالَ عَنْك فلَان كَذَا وَكَذَا وَفعل كَذَا وَكَذَا إِلَّا أَن يكون فِي ذَلِك مصلحَة أَو فَائِدَة كتحذيره من شَرّ يحدث» اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في « روضة المحبين »(ص: 218):« فهو يسعى في التفريق بين المتحابين في الله المحبة التي يحبها الله ويؤلف بين الاثنين في المحبة التي يبغضها الله ويسخطها» اهـ
وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» (1/ 371):« قُلْتُ: النَّمِيمَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ، تَارَةً تَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ النَّاسِ وَتَفْرِيقِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ» اهـ
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله في «إعانة المستفيد »(2/ 191):« الفائدة الخامسة: أنّ إبلاغ وليّ الأمر عن مقالات المفسدين من المنافقين ودُعاة السوء الذين يريدون تفريق الكلمة والتحريش بين المسلمين من أجل الحَزْم يُعَدُّ من النصيحة الواجبة، وليس هو من النّميمة، لأنّ عوف بن مالك رضي الله عنه فعل ذلك ولم يُنكر عليه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدلّ على أنّ هذا من النّصيحة، وليس من النّميمة المذمومة» اهـ.
وقال الله تعالى :+وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ _ [القلم: 10 - 12]
قال البغوي رحمه الله في « تفسيره» (8/ 192):«+مُعْتَدٍ_ ظَلُومٍ يَتَعَدَّى الْحَقَّ +أَثِيمٍ_ فَاجِرٍ. +عُتُلٍّ_ الْعُتُلُّ: الْغَلِيظُ الْجَافِي. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْفَاحِشُ الْخُلُقِ السَّيِّئُ الْخُلُقِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ فِي الْبَاطِلِ» اهـ
وقال ابن كثير رحمه الله في « تفسيره» (8/ 191):«+مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ_ يَعْنِي: الَّذِي يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ، وَيُحَرِّشُ بَيْنَهُمْ وَيَنْقُلُ الْحَدِيثَ لِفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَهِيَ الْحَالِقَةُ» اهـ
وقال السعدي رحمه الله تعالى في « تفسيره» (ص: 879):«+وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ_ أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب، ولا يكون كذابًا إلا وهو +مُهِينٌ_ أي: خسيس النفس، ناقص الهمة، ليس له همة في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة.
+هَمَّازٍ_ أي: كثير العيب للناس والطعن فيهم  بالغيبة والاستهزاء، وغير ذلك.
+مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ_ أي: يمشي بين الناس بالنميمة، وهي: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء» اهـ.

قال أبو حمزة محمد بن حسن السوري غفر الله له:
تبين مما تقدم من الأدلة وأقوال العلماء؛ أن حقيقة التحريش هي: الإغراء والإغواء والخداع، والتلبيس، والكذب، والفجور في الخصومة، والسعي بين الناس بالفتن والشرور، والفرقة والقتل والقتال، والأخلاق السيئة، والبدع والضلالات، والمعاصي والخرافات، وقلب الباطل حقا، والحق باطلاً، فهذا هو حقيقة التحريش فهو حقيقة واقع على الشر.
وفي «الموسوعة الفقهية الكويتية» (10/ 196):« التَّحْرِيشُ: إِغْرَاءُ الإِْنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ لِيَقَعَ بِقِرْنِهِ أَيْ نَظِيرِهِ. وَلاَ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ إِلاَّ فِي الشَّرِّ، وَهُوَ فِيمَا يَكُونُ الْحَثُّ فِيهِ لِطَرَفَيْنِ. أَمَّا التَّحْرِيضُ فَيَكُونُ الْحَثُّ فِيهِ لِطَرَفٍ» اهـ.
وقال  العلامة العثيمين رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (26/ 447):«لا شك أن تحزب المسلمين إلى أحزاب متفرقة متناحرة، مخالف لما تقتضيه الشريعة الإسلامية من الائتلاف والاتفاق، موافق لما يريده الشيطان من التحريش بين المسلمين، وإيقاع العداوة والبغضاء، وصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة» اهــ.

والتحريش سلاح استخدمه أهل الباطل لمحاربة أهل الحق من وجهين:
الأول: رد الحق والصواب الذي بينه أهل السنة على أهل البدع والضلالة والمعاصي والانحراف، فكلما بين أهل السنة باطلهم، وأبانوا عوارهم، وفضحوهم  أمام المجتمع ؛ قام أهل الباطل بوصف فعل أهل السنة أنهم محرشون، ويفسدون ذات البين، ويريدون اسقاط الدعاة والعلماء، وما عنكم ببعيد كيف وصف السروريون والحسنيون والبرامكة وأصحاب الإبانة وغيرهم أهل السنة أنهم محرشون، ويريدون إسقاط العلماء وتفريق الدعوة، وهذا كله من أجل إسقاط الحق والحجج والبراهين التي بينها أهل السنة عليهم.
الثاني: تشويه أهل السنة، والكذب والتلفيق عليهم، والتلبيس على الناس؛ أن أهل السنة عندهم كذا وكذا من الأخطاء، وتقويلهم مالم يقولوا، وما عنكم ببعيد افتراءات وكذب وتلبيس البكري والوتر والبرامكة وغيرهم ممن كذب على أهل السنة، وقولهم مالم يقولوا كذبا وزورا.

أيها القارئ الكريم هذا هو المفهوم الصحيح للتحريش.
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجرح والتعديل، والنصح والنصيحة بالحق والصدق وبالأدلة والبراهين، والتحذير من الزلات والأخطاء المخالفة لمنهج السلف نصحا للأمة؛ فهذا ليس من التحريش في شيء؛ بل هو من دين الله تعالى، ممدوح فاعله عند السلف وأئمة الدين من قديم وحديث؛ كما قد ابنته في مقال لي بعنوان « تتبع الأخطاء والزلات والأغاليط للنصح وحماية الدين منهج سلفي » على هذا الرابط

فنسأل الله أن يجعل ما كتبناه نافعا مفيدًا؛ مزيلاً للمفاهيم المغلوطة المخالفة لمنهج السلف رضوان الله عليهم أجمعين، وأن يرزقنا الثبات والاستقامة على السلفية حتى نلقاه سبحانه وتعالى.

والحمد لله رب العالمين
كتبه
أبو حمزة محمد بن حسن السِّوَري
عصر الأربعاء 28من شهر سعبان 1441هجرية




نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى