الجمعة

[أهمية أخذ العلوم الشرعية عن أهلها المتمكنين]

[أهمية أخذ العلوم الشرعية عن أهلها المتمكنين]

بسم الله الرحمن الرحيم
فهذا سؤال رغب في الإجابة عنه أحد إخواننا السلفيين فقال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا أخي أبا حمزة حفظك الله ورعاك: هل لمن لم يتمكن في علم من العلوم هل له أن يدرسه ، كمن لم يتقن علم التجويد وعلم النحو وعلم العقيدة ؟
وهل لطالب العلم أن يلتحق بحلقة المدرس فيها ليس متمكنا من العلم الذي يدرسه ؟
- وهل لمن جمع الغرور والعجب مع عدم تأهله في علم من العلوم هل يسمح له أن يدرسه ويسمح لطلاب العلم أن يلتحقوا به ؟
 وجزاكم الله خيرا» اهـ

الجواب: وعليكم  السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:

أما بعد:

فقد جاءت  الأدلة، وكذلك الآثار عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم بالاهتمام بهذا الباب جدا، الذي هو أخذ العلوم الشرعية عن أهلها، وعن ذويها، ومن يحسنها، ممن تمكن فيها وأتقنها ومن ذلك :

}عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، فَنَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ - وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: عِنْدَهُ - فَذَكَرْنَا يَوْمًا عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَقَدْ ذَكَرْتُمْ رَجُلًا لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ فَبَدَأَ بِهِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ » رواه البخاري(4999) و مسلم (2464)

} وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» رواه الإمام أحمد و ابن ماجه وغيرهم وقال الشيخ الألباني «صحيح».

}وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ الله عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ » أخرج الطحاوي في «مشكل الآثار» برقم(3269 ) وهو حديث حسن لغيره

قال الإمام ابن القيم  رحمه الله معلقا على هذا الحديث  في «مفتاح دار السعادة » (1/ 163):« الْوَجْه السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد المائة وَهُوَ مَا روى عَن النَّبِي من وُجُوه مُتعَدِّدَة أنه قَالَ:« يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الْجَاهِلين» فَهَذَا الْحمل الْمشَار إليه فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ التَّوَكُّل الْمَذْكُور فِي الآية فَأخْبر أن الْعلم الَّذِي جَاءَ بِهِ يحملهُ عدُول أمته من كل خلف حَتَّى لَا يضيع وَيذْهب وَهَذَا يتَضَمَّن تعديله لحمله الْعلم الَّذِي بعث بِهِ وَهُوَ الْمشَار إليه فِي قَوْله هَذَا الْعلم فَكل من حمل الْعلم الْمشَار اليه لَا بُد وأن يكون عدلا » اهـ

 وقال الإمام القرطبي رحمه الله في «تفسيره» (1/ 36):« قَالَ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ: وَهَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ أَعْلَامُ الدِّينِ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِحِفْظِهِمُ الشَّرِيعَةَ مِنَ التَّحْرِيفِ، وَالِانْتِحَالِ لِلْبَاطِلِ، وَرَدِّ تَأْوِيلِ الْأَبْلَهِ الْجَاهِلِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ، وَالْمُعَوَّلُ فِي أَمْرِ الدِّينِ عَلَيْهِمْ، رَضِيَ الله عنهم». اهـ

وقال العلامة المناوي رحمه الله في «فيض القدير» (6/ 396):« وهذا إخبار منه بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه وأنه تعالى يوفق له في كل عصر خلقا من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر وهذا من أعلام نبوته ولا يضر معه كون بعض الفساق يعرف شيئا من العلم بأن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف منه شيئا » اهـ

وقال الإمام ابن عبد البر في «التمهيد » (1/ 28):« وَكُلُّ حَامِلِ عِلْمٍ مَعْرُوفُ الْعِنَايَةِ بِهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَحْمُولٌ فِي أَمْرِهِ أَبَدًا عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ جَرْحَتُهُ فِي حَالِهِ أَوْ فِي كَثْرَةِ غَلَطِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ».  اهـ

}وقال الإمام ابن سيرين رحمه الله «إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ» رواه الإمام مسلم في «مقدمة صحيحه»

 }وقال سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قُلْتُ لِطَاوُسٍ: إِنَّ فُلَانًا حَدَّثَنِي بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: «إِنْ كَانَ صَاحِبُكَ مَلِيًّا، فَخُذْ عَنْهُ» رواه مسلم في «مقدمة صحيحه»

قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم »(1/ 85):« وَقَوْلُهُ إِنْ كَانَ مَلِيًّا يَعْنِي ثِقَةً ضَابِطًا مُتْقِنًا يُوثَقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَمَا يُعْتَمَدُ عَلَى مُعَامَلَةِ الْمَلِيِّ بِالْمَالِ ثِقَةً بِذِمَّتِهِ» اهـ

}وروى الإمام مسلم رحمه الله في «مقدمة صحيحة»(1 / 15) عنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِائَةً، كُلُّهُمْ مَأْمُونٌ، مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْحَدِيثُ، يُقَالُ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: «لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الثِّقَاتُ»

 }وقال الإمام مَالِكٍ رحمه الله :« لاَ يُؤْخَذُ العِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ: سَفِيْهٍ يُعلِنُ السَّفَهَ، وَإِنْ كَانَ أَرْوَى النَّاسِ، وَصَاحِبِ بِدْعَةٍ يَدعُو إِلَى هَوَاهُ، وَمَنْ يَكْذِبُ فِي حَدِيْثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أتهمه في الحَدِيْثِ، وَصَالِحٍ عَابِدٍ فَاضِلٍ، إِذَا كَانَ لاَ يَحْفَظُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ».  قال الإمام  ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2 / 821) :« وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طُرُقٍ فِي كِتَابِ «التَّمْهِيدِ» فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ هَا هُنَا » اهــ

}وذكر  الإمام ابن عبد البر في « التمهيد» (1 / 66) :« عن مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ الله فَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى مَالِكٍ لَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَدْرَكْتُ بِهَذَا الْبَلَدِ مَشْيَخَةً أَهْلَ فَضْلٍ وَصَلَاحٍ يُحَدِّثُونَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا قَطُّ قِيلَ لَهُ (هـ) لِمَ يَا أَبَا عَبْدِ الله قَالَ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَا يُحَدِّثُونَ» اهـ

 }وذكر ابن عبد البر رحمه الله  في «التمهيد » (1 / 67) : عن الإمام مالك أنه قال  أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مَشَايِخَ أَبْنَاءَ مِائَةٍ وَأَكْثَرَ فَبَعْضُهُمْ قَدْ حَدَّثْتُ بِأَحَادِيثِهِ وَبَعْضُهُمْ لَمْ أُحَدِّثْ بِأَحَادِيثِهِ كُلِّهَا وَبَعْضُهُمْ لَمْ أُحَدِّثْ مِنْ أَحَادِيثِهِ شَيْئًا وَلَمْ أَتْرُكِ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا ثقات فِيمَا حَمَلُوا إِلَّا أَنَّهُمْ حَمَلُوا شَيْئًا لَمْ يعقلوه» اهـ

}وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله في «التمهيد »(1/ 45):« وَقَالَ ابن عون لا تأخذوا العلم الا من شُهِدَ لَهُ بِالطَّلَبِ وَفِيمَا أَجَازَ لَنَا عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ قَالَ غَدَوْتُ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ يَا شُعَيْبُ مَا غَدَا بِكَ فَقُلْتُ يا أبا حمزة غدوت لا تعلم منك وَأَلْتَمِسَ مَا يَنْفَعُنِي فَقَالَ يَا شُعَيْبُ إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرْ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ.....» اهـ

}وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في « الكفاية في علم الرواية (1/ 373):« أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، قَال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَدِيٍّ، قَال: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قال: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ أَبُو يَزِيدَ الأَيْلِيُّ، بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ الله، الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى الله - فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ - ثُمَّ أَخْذِهِ يَعْنِي الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِهِ الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ يَقِينًا بِذَلِكَ، وَلاَ تَأْخُذْ كُلَّمَا تَسْمَعُ قَائِلاً يَقُولُهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ منْ كُلِّ مُحَدِّثٍ، وَلاَ مِنْ كُلِّ مَنْ قَالَ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يُرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ دِينُكُمْ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ عَنْهُ دِينَكُمْ».

 }وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في « أدب المفتي والمستفتي» (ص: 85):« القول في شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه: أما شروطه وصفاته: أن يكون مكلفًا مسلمًا، ثقة مأمونًا، متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة، لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح  للاعتماد، وإن كان من أهل الاجتهاد .
ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط مستيقظًا» اهـ.

}وقال  الإمام النووي رحمه الله :  «التبيان في آداب حملة القرآن» (ص/13) : «[فصل] ولا يتعلم إلا ممن تكلمت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى انتفاعه به وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني » اهـ.

}وقال ابن مفلح رحمه الله في «الآداب الشرعية» (2 / 110) :« وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَشُورَةِ عُمَرَ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ الله عَنْهُمَا - قَالَ: كُنْت أُقْرِئُ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَخْذِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ صَغُرَتْ أَسْنَانُهُمْ أَوْ قَلَّتْ أَقْدَارُهُمْ، وَقَدْ كَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَقْرَأُ عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَقِيلَ لَهُ: تَقْرَأُ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ الْخَزْرَجِيِّ؟ ، قَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَنَا التَّكَبُّر»ُ اهـ

}وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (1/ 3):« وَجَعَلَ فِيهِمْ عُلَمَاءَهُمْ وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ يَقُومُونَ مَقَامَهُمْ فِي تَبْلِيغِ مَا أُنْزِلَ مِنْ الْكِتَابِ، وَطَائِفَةً مَنْصُورَةً لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ إلَى حِينِ الْحِسَابِ، وَحَفِظَ لَهُمْ الذِّكْرَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنْ الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . فَلَا يَقَعُ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ كَمَا وَقَعَ مِنْ أَصْحَابِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَخَصَّهُمْ بِالرِّوَايَةِ وَالْإِسْنَادِ الَّذِي يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْجَهَابِذَةُ النُّقَّادُ وَجَعَلَ هَذَا الْمِيرَاثَ يَحْمِلُهُ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ لِتَدُومَ بِهِمْ النِّعْمَةُ عَلَى الْأُمَّةِ وَيَظْهَرَ بِهِمْ النُّورُ مِنْ الظُّلْمَةِ، وَيَحْيَا بِهِمْ دِينُ الله الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ، وَبَيَّنَ الله بِهِمْ لِلنَّاسِ سَبِيلَهُ، فَأَفْضَلُ الْخَلْقِ أَتْبَعُهُمْ لِهَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الْمَنْعُوتِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .» اهـ

أقول: فيما تقدم من الأدلة والأثار وأقوال السلف الصالح يتبين لنا جميعا أهمية هذا الأمر والاهتمام به جدًا، وهو يعتبر دينا وأمانة، فالعلم أمانة عظيمة لابد من القيام بحقها وواجبها ووضعها في موضعها وعلى وجهها الصحيح، وإذا ضُيعت هذه الأمانة ضاع الدين وخير عظيم، وتسبب في ضياع عقائد الناس ومناهجهم وسلوكهم وأخلاقهم ، ويوسد الأمر إلى غير أهله وذويه، ويتكلم في دين الله من لا يحسنه، ويتجرأ على الفتوى من لا خبرة له فيها:

وقد جاء في صحيح الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»

فهذا مما يكون في آخر الأزمان خلافا لحال السلف الصالحين فقد كانوا على خلاف هذا تماما.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري » (1 / 143) :« وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الْمَتْنِ لِكِتَابِ الْعِلْمِ أَنَّ إِسْنَادَ الْأَمْرِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ وَرَفْعِ الْعِلْمِ وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَشْرَاطِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ مَا دَامَ قَائِمًا فَفِي الْأَمْرِ فُسْحَةٌ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْعِلْمَ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنِ الْأَكَابِرِ تَلْمِيحًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ الْأَصَاغِرِ» اهـ

 وفي «جامع بيان العلم وفضله» (1/ 612):« قال نعيم: قيل لابن المبارك: من الأصاغر؟ قال: «الذين يقولون برأيهم، فأما صغير يروي عن كبير فليس بصغير» وذكر أبو عبيد في تأويل هذا الخبر عن ابن المبارك أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع ولا يذهب إلى السن، قال أبو عبيد: وهذا وجه، قال أبو عبيد: والذي أرى أنا في الأصاغر أن يؤخذ العلم عمن كان بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذاك أخذ العلم عن الأصاغر...
قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي عُبَيْدٍ لِمَعْنَى الْأَصَاغِرِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَأَيْتَ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الصَّغِيرَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الَّذِي يُسْتَفْتَى وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَأَنَّ الْكَبِيرَ هُوَ الْعَالِمُ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ
 وَقَالُوا: الْجَاهِلُ صَغِيرٌ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا، وَالْعَالِمُ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ حَدَثًا، » اهـ

 أقول فلا ينبغي:  لمن لا يحسن شيئا أن يقدم عليه؛ حتى يتمكن منه ويتقنه ويجيده سواء في العقيدة أو الفقه أو اللغة أو غيرها، ومن أقدم على تعليم شيء لا يحسنه ولا يتقنه فهذا يأثم لأنه يعلم دين الله على غير حقيقته، ولأنه تقولٌ على الله بغير حق.

قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء: 36] .

وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في «تفسيره» (1/ 73):« فَالْقَائِلُ فِي تَأْوِيلِ كِتَابِ الله الَّذِي لَا يُدْرَكُ عِلْمُهُ إِلَّا بِبَيَانِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي جَعَلَ الله إِلَيْهِ بَيَانَهُ، قَائِلٌ بِمَا لَا يَعْلَمُ، وَإِنْ وَافَقَ قِيلُهُ ذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ مَا أَرَادَ الله بِهِ مِنْ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ الْقَائِلَ فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، قَائِلٌ عَلَى الله مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْخَبَرِ، الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدُبٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ، فَقَدْ أَخْطَأَ»  يَعْنِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ، بِقِيلِهِ فِيهِ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ وَافَقَ قِيلُهُ ذَلِكَ عَيْنَ الصَّوَابِ عِنْدَ الله، لِأَنَّ قِيلَهُ فِيهِ بِرَأْيِهِ، لَيْسَ بِقِيلِ عَالِمٍ أَنَّ الَّذِيَ قَالَ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ حَقٌّ وَصَوَابٌ، فَهُوَ قَائِلٌ عَلَى الله مَا لَا يَعْلَمُ، آثَمٌ بِفِعْلِهِ مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ وَحُظِرَ عَلَيْهِ» اهـ

فعلى طالب العلم أن يختار لنفسه من يتتلمذ عليه ويأخذ عنه العلم:

 }قال ابن جماعة رحمه الله في «تذكرة السامع والمتكلم» (ص: 40):« ينبغي للطالب أن يقدم النظر ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته واشتهرت صيانته وكان أحسن تعليمًا وأجود تفهيمًا ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل.
فعن بعض السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم..
وليجتهد على أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام الاطلاع، وله مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ عن بطون الأوراق ولم يعرف بصحبة المشايخ الحذاق. قال الشافعي رضي الله عنه: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام. وكان بعضهم يقول: من أعظم البلية تشيخ الصحيفة. أي الذين تعلموا من الصحف. » اهـ.

ومن ولاه الله مسجدًا أو مركزُا وطلابًا فهو مسؤول بين يدي الله عن هذا المركز و المسجد وعن تعليم الناس فيه، فعليه أن يختار  لهم من يحسن التدريس ويتقنه ويجيده، وأن يختار من المدرسين من  ذوي الخلق الطيب والقدوة حسنة، والصفات الجميلة، فهذه والله مسؤولية عظيمة وكبيرة.

فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه

ولعلكم تذكرون حديث

 أَبِي سَهْلَةَ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ  رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا، فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ: «لَا يُصَلِّي لَكُمْ» ، فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ فَمَنَعُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «نَعَمْ» ، وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّكَ آذَيْتَ الله وَرَسُولَهُ». رواه أبو داود وحسنه الإمام الألباني رحمه الله

أقول: بهذه المخالفة أبعده النبي صلى الله عليه وسلم عن الإمامة، ومنعه من الإمامة والتقدم بين يدي الناس بسبب هذا الفعل، فكيف بمن لا يحسن دين الله تعالى، أو وجدت عنه مخالفات أو أخطاء عقديه أو منهجيه، فمثله لا يُمكن من تدريس أبناء المسلمين وتعليمهم ولا تؤخذ عنه العلوم الشرعية البتة؛ حتى يصحح عقيدته ومنهجه ويترك المخالفات الشرعية، ويتمكن ويحسن ما يقدم عليه من التدريس والتعليم، وعليه أولا أن يحسن ويأخذ العلوم أخذا صحيحا ثم إذا تمكن بعد ذلك انبرى للتدريس.

أخيرا
هذا بيان مختصر وجواب شاف بإذن الله لهذا السؤال والمسألة المهمة ، وبيانٌ لحال سلفنا الصالح بأنهم كانوا يعتنون بهذا الباب كثيرا، وقد كتبوا وألفوا في هذا الباب في أدب الطالب والمعلم والتتلمذ، وأخذ العلوم عن أهلها، وحذروا من أخذ العلوم عن غير أهلها، وأن ذلك سبب الضياع وترك الحق.

والله الموفق

كان الانتهاء منه الجمعة 30من شهر محرم 1439هجرية

أبو حمزة محمد بن حسن السوري
مكة المكرمة



نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى