الجمعة

شبهةٌ ورد: « الخوارج من الدواعش وغيرهم يستدلون بكلام شيخ الإسلام وغيره من علماء الإسلام!!»

شبهةٌ ورد: « الخوارج من الدواعش وغيرهم يستدلون بكلام شيخ الإسلام وغيره من علماء الإسلام!!»

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فيطالعنا أهل الباطل بين حين وآخر ببعض الشبه، التي يريدون من خلالها الطعن في دين الله تعالى، وفي كتاب الله الكريم، وسنة رسول الله الأمين صلى الله عليه وسلم، أو يريدون من خلالها الطعن في أهل الحق وتشويههم.

ومن ذلك:
ما نسمعه بين الحين والآخر من بعض أهل الردى والعلمنة والحداثة والتغريب: أن الدواعش وغيرهم من الخوارج يستدلون بكلام من كلام  شيخ الإسلام ابن تيمية أو غيره من علماء الإسلام، ويأتون ببعض العبارات لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أو لغيره لترويج شرهم وباطلهم وفكرهم، والتغرير بالجهال.

فيقوم هؤلاء العلمانيون والحداثيون والتغريبيون  باستغلال ذلك ومحاولة تشويه شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علماء الإسلام رحمهم الله: «على أنهم وكتبهم منبع لفكر التطرف والإرهاب والغلو، وقاعدة أساسية ينطلق من خلالها الدواعش وغيرهم من الخوارج ».

فأقول مستعينا بالله العظيم:
ليس بغريب أن يستدل أهل الباطل بشيء من الحق على ما يريدونه من الباطل، فهذا هو حالهم دائما وأبدًا من قديم وحديث.

وقد بين ربنا سبحانه وتعالى حال أهل الباطل، بأنهم يتبعون ما يهوونه،  ويريدونه من الحق، ويتبعون المتشابه منه لقصد الفتنة، ويتركون ما يخالف هواهم.

قال الله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]

وجاء في الصحيحين من حديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ، مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ، وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله، وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى الله فَاحْذَرُوهُمْ».

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» (2 / 8) :«{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أَيْ: ضَلَالٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أَيْ: إِنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ بِالْمُتَشَابِهِ الَّذِي يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُحَرِّفُوهُ إِلَى مَقَاصِدِهِمُ الْفَاسِدَةِ، وَيُنْزِلُوهُ عَلَيْهَا، لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لِمَا يَصْرِفُونَهُ  فَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَامِغٌ لَهُمْ وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أَيِ: الْإِضْلَالِ لِأَتْبَاعِهِمْ، إِيهَامًا لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى بِدْعَتِهِمْ بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ.....
وَقَوْلُهُ: {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} أَيْ: تَحْرِيفِهِ عَلَى مَا يُرِيدُونَ» اهـ

فهذا فيه بيانٌ أن أهل الأهواء في كل زمان ومكان يحاولون الاستدلال بشيء من الحق لترويج باطلهم وفتنتهم وشرهم، ويأخذون ما تهواه أنفسهم، ويظنون أنه يوافق باطلهم.

فهم يستدلون بآيات من كتاب الله وبأحاديث من  أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، للتشبيه والتلبيس والتغرير على الناس، وأن ما قالوه هو الحق، وأن هذا دليلهم عليه من الكتاب والسنة، ولو أظهروا باطلهم وشرهم بدون تزينه بآيات وأحاديث وشيء من الحق ما قبله منهم أحد.

وهذا الفعل من أهل الباطل والفتن لا يدل على فساد الأدلة من الكتاب والسنة أو بطلانها أو ضلالها أو أنها سبب الفساد بين الناس، أو أنها سبب للإرهاب والتطرف معاذ الله سبحانه وتعالى، ولو قلنا أن من استدل بشيء من الحق على باطله إنه دليل على بطلان ورد نفس الآيات والأحاديث والحق، فهذا ضلال بعيد وكفر سحيق، وطعن في الله عز وجل وفي رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإنما يدل هذا الفعل على ضلال وقصور وفساد في أفهام هؤلاء المستدلين بهذه الآيات والأحاديث، وأنهم لم يضعوها في مواضعها الصحيحة التي وضعها الله، والتي وضعها فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولو تفحصوا الأدلة لعرفوا أنها رد عليهم كما كان يقوله  شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «حادي الأرواح » (ص: 293):« وقد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير وألطفه وقال لي أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله » اهـ

فإذا كان هذا هو حال أهل الباطل أنهم يضعونها في غير موضعها، ويستدلون بها في غير استدلالها الصحيح، وهي آيات ووحي من رب الأرض والسماوات، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42] .

وهو هداية لأقوم الأمور وأنفعها للناس قال الله تعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرً} [الإسراء: 9]
وهو محفظ بحفظ الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]

فليس بغريب أن يعملوا هذا العمل مع كلام غير الله، وكلام غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أهون عليهم وأيسر.

ولو نظرنا إلى الخوارج مثلًا  الذين خرجوا وفارقوا الصحابة رضي الله عنهم، بماذا كانوا يستدلون به على باطلهم وضلالهم؟
 ألم يكونوا يستدلون بآيات وأحاديث، ولكنهم يضعونها في غير مواضعها؟

وانظر إلى هذه المناظرة العظيمة بين حبر هذه الأمة ابن عباس رضي الله عنهما وبين الخوارج، وبماذا كانوا يستدلون .

روى الإمام النسائي رحمه الله في «السنن الكبرى » (7/ 480) برقم(8522) من حديث  عَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ  رضي الله عنهما قَالَ: «لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِي دَارٍ، وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ» فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «أَبْرِدْ بِالصَّلَاةِ، لَعَلِّي أُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ» قَالَ: «إِنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْكَ» قُلْتُ: كَلَّا، فَلَبِسْتُ، وَتَرَجَّلْتُ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ فِي دَارِ نِصْفِ النَّهَارِ، وَهُمْ يَأْكُلُونَ فَقَالُوا: «مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَمَا جَاءَ بِكَ؟» قُلْتُ لَهُمْ: أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرِهِ، وَعَلَيْهِمْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، لَأُبَلِّغَكُمْ مَا يَقُولُونَ، وَأُبَلِّغَهُمْ مَا تَقُولُونَ، فَانتَحَى لِي نَفَرٌ مِنْهُمْ قُلْتُ: هَاتُوا مَا نَقِمْتُمْ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ عَمِّهِ قَالُوا: «ثَلَاثٌ» قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: «أَمَّا إِحْدَاهُنَّ، فَإِنَّهُ حُكْمُ الرِّجَالِ فِي أَمْرِ الله» وَقَالَ الله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] مَا شَأْنُ الرِّجَالِ وَالْحُكْمِ؟ قُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ قالوا: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، فَإِنَّهُ قَاتَلَ، وَلَمْ يَسْبِ، وَلَمْ يَغْنَمْ، إِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّ سِبَاهُمْ، وَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مَا حَلَّ سِبَاهُمْ وَلَا قِتَالُهُمْ قُلْتُ: هَذِهِ ثِنْتَانِ، فَمَا الثَّالِثَةُ؟ " وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا قَالُوا: مَحَى نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ " قُلْتُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ قَالُوا: «حَسْبُنَا هَذَا» قُلْتُ: لَهُمْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مَا يَرُدُّ قَوْلَكُمْ أَتَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: «نَعَمْ» قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: «حُكْمُ الرِّجَالِ فِي أَمْرِ الله، فَإِنِّي أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِ الله أَنْ قَدْ صَيَّرَ الله حُكْمَهُ إِلَى الرِّجَالِ فِي ثَمَنِ رُبْعِ دِرْهَمٍ، فَأَمَرَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَحْكُمُوا فِيهِ» أَرَأَيْتَ قَوْلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ، وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَكَانَ مِنْ حُكْمِ الله أَنَّهُ صَيَّرَهُ إِلَى الرِّجَالِ يَحْكُمُونَ فِيهِ، وَلَوْ شَاءَ لحكم فِيهِ، فَجَازَ مِنْ حُكْمِ الرِّجَالِ، أَنْشُدُكُمْ بِالله أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي صَلَاحِ ذَاتِ الْبَيِّنِ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ أَفْضَلُ أَوْ فِي أَرْنَبٍ؟ قَالُوا: بَلَى، هَذَا أَفْضَلُ وَفِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] فَنَشَدْتُكُمْ بِالله حُكْمَ الرِّجَالِ فِي صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ حُكْمِهِمْ فِي بُضْعِ امْرَأَةٍ؟ خَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ، وَلَمْ يَغْنَمْ، أَفَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ، تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ أُمُّكُمْ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّا نَسْتَحِلُّ مِنْهَا مَا نَسْتَحِلُّ مِنْ غَيْرِهَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَتْ بِأُمِّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فَأَنْتُمْ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ، فَأْتُوا مِنْهَا بِمَخْرَجٍ، أَفَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَأَمَّا مَحْيُ نَفْسِهِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا آتِيكُمْ بِمَا تَرْضَوْنَ. إن نَبِيَّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لِعَلِيٍّ: «اكْتُبْ يَا عَلِيُّ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولَ الله» قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ الله مَا قَاتَلْنَاكَ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «امْحُ يَا عَلِيُّ اللهمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ الله، امْحُ يَا عَلِيُّ، وَاكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله» وَالله لَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ مَحَى نَفْسَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُهُ نَفْسَهُ ذَلِكَ مَحَاهُ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَخْرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ " قَالُوا: «نَعَمْ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَخَرَجَ سَائِرُهُمْ، فَقُتِلُوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، فَقَتَلَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ» وهو في «الصحيح المسند» لشيخنا الإمام الوادعي رحمه الله

وهذا الفعل مترسخ بكثرة في الخوارج، وهو موجود في غيرهم من أهل الأهواء والبدع أيضا:

فقد أخرج الإمام عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 382): فقال« نا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: الْمُحْكَمُ مَا يُعْمَلُ بِهِ , {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7] , قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ قَتَادَةُ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: إِنْ لَمْ تَكُنِ الْحَرُورِيَّةُ أَوِ السَّبَئِيَّةُ , فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ فِي أَصْحَابِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ خَبَرٌ لِمَنِ اسْتَخْبَرَ , وَعِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ , لِمَنْ كَانَ يَعْقِلُ أَوْ يُبْصِرُ , إِنَّ الْخَوَارِجَ خَرَجُوا , وَأَصْحَابُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ , بِالْمَدِينَةِ , وَبِالشَّامِ , وَبِالْعِرَاقِ , وَأَزْوَاجُهُ يَوْمَئِذٍ أَحْيَاءٌ , وَالله إِنْ خَرَجَ مِنْهُمْ ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى حَرُورِيًّا قَطُّ , وَلَا رَضُوا الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ , وَلَا مَالَؤُهُمْ فِيهِ , بَلْ كَانُوا يُحَدِّثُونَ بِعَيْبِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ , وَنَعْتِهِ الَّذِي نَعَتَهُمْ بِهِ , وَكَانُوا يَبْغَضُونَهُمْ بِقُلُوبِهِمْ , وَيُعَادُونَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ , وَتَشْتَدُّ وَالله أَيْدِيهِمْ عَلَيْهِمْ إِذَا لَقُوهُمْ , وَلَعَمْرِي لَوْ كَانَ أَمْرُ الْخَوَارِجِ هُدًى لَاجْتَمَعَ , وَلَكِنَّهُ كَانَ ضَلَالَةً فَتَفَرَّقَ , وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ إِذَا كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله وَجَدْتَ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا , فَقَدْ أَلَاصُوا هَذَا الْأَمْرَ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ , فَهَلْ أَفْلَحُوا فِيهِ يَوْمًا قَطُّ , أَوْ أَنْجَحُوا؟ يَا سُبْحَانَ الله كَيْفَ لَا يَعْتَبِرُ آخِرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِأَوَّلِهِمْ؟ إِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ أَوْ هُدًى قَدْ أَظْهَرَهُ الله وَأَفْلَجَهُ وَنَصَرَهُ , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ , فَأَكْذَبَهُ الله تَعَالَى , وَأَدْحَضَهُ , فَهُمْ كَمَا رَأَيْتُمْ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ أَدْحَضَ الله حُجَّتَهُمْ , وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَهُمْ , وَأْهَرَاقَ دِمَاءَهُمْ , وَإِنْ كَتَمُوهُ كَانَ قَرْحًا فِي قُلُوبِهِمْ , وَغَمًّا عَلَيْهِمْ , وَإِنْ أَظْهَرُوهُ أَهْرَاقَ الله دِمَاءَهُمْ , ذَاكُمْ وَالله دِينُ سُوءٍ , فَاجْتَنِبُوهُ , فَوَ الله إِنَّ الْيَهُودِيَّةَ لَبِدْعَةٌ , وَإِنَّ النَّصْرَانِيَّةَ لَبِدْعَةٌ , وَإِنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَبِدْعَةٌ وَإِنَّ السَّبَئِيَّةَ لَبِدْعَةٌ , مَا نَزَلَ بِهِنَّ كِتَابٌ وَلَا سَنَّهُنَّ نَبِيٌّ»

فهذا هو حال أهل الأهواء والبدع في كل زمان ومكان، يستدلون بما ظنوا أنه يناسب هواهم وباطلهم من القرآن والسنة ومن كلام العلماء، وهو بعيد كل البعد عن مرادهم وظنهم واستدلالهم الفاسد.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في « إغاثة اللهفان » (1/ 159):«وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: « يَحْمِلُ هذا العِلُمَ مِنْ كُل خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».
فأخبر أن الغالبين يحرفون ما جاء به. والمبطلون ينتحلون بباطلهم غير ما كان عليه. والجاهلون يتأولونه على غير تأويله. وفساد الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاثة. فلولا أن الله تعالى يقيم لدينه من ينفى عنه ذلك لجرى عليه ما جرى على أديان الأنبياء قبله من هؤلاء» اهـ.

وأهل الباطل الذين يستدلون مثلا بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أو بكلام غيره  من علماء الأمة السلفيين، ويضعونه في غير مواضعه، ويلونه على غير مرادهم، فهم قد عملوا هذا العمل مع الوحي من القرآن والسنة، فليس بغريب أن يعملوه في غير الكتاب والسنة كما تقدم.
ومن تتبع كلام شيخ الإسلام وما أستدل به هؤلاء لوجد أن كلام شيخ الإسلام في وادي وما ظنه هؤلاء في وادي آخر، وتجد شيخ الإسلام يضبط كلامه بضوابط متينة قوية، فليس العيب مثلا  في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن العيب والخلل في عقول هؤلاء المنحرفين وأفهامهم السقيمة، الذين لا علم عندهم ولا فقه في دين الله، ولا يعرفون كلام أهل العلم ومقاصدهم .

فنقول لهؤلاء الطاعنين في شيخ الإسلام وغيره من علماء الإسلام بسبب استدلال بعض أهل الأهواء من الخوارج وغيرهم  بكلام علماءنا في تمرير باطلهم:

أربعوا على أنفسكم واعرفوا ما تقولونه، وخاطبوا المجتمعات بكلام صحيح وحجة واضحة، وإياكم والإرهاب الفكري الذي يسعى لتدمير الإسلام والطعن في أئمة الإسلام، كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره، فهو علم من أعلام الإسلام وجبل أشم ومنار من منارات الحق، ولا يضره بإذن الله فعلكم ولا فعل هؤلاء الخوارج الذي يحاولون إلصاق باطلهم بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبغيره من علماء الإسلام والتكثر بذلك.

والحمد لله رب العالمين

كتبه أبو حمزة محمد بن حسن السوري

عصر الخميس 7 من ربيع الثاني 1438 هجرية


مكة المكرمة حرسها الله


نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى