الأربعاء

[النصيحة المحتمة لبعض الشعراء الأحبة]

النصيحة المحتمة لبعض الشعراء الأحبة
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18].
والقائل عز وجل : { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [الإسراء: 53].
وصلى الله وسلم على رسولنا محمد القائل: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» رواه الترمذي وغيره عن معاذ رضي الله عنه.
والقائل صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أما بعد:
فكما يعلم الجميع فضل ومكانة الشعر والشعراء الذين ينافحون عن شرع الله، وعن أولياء الله الصالحين، فلهم منزلتهم ومكانتهم في دين الله تعالى، ولهم صولتهم وجولتهم من قبل ومن بعد في نصرة الحق.
ولقد قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ رضي الله عنه : «اهْجُهُمْ - أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» متفق عليه عن البراء بن عازب رضي الله عنه
وجاء من حديث  أَنَسٍ ضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ وَعَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشِي وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... اليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَرَمِ الله تَقُولُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ» رواه الترمذي وغيره وحسنه الإمام الألباني رحمه الله
وجاء من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ» فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ: «اهْجُهُمْ» فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ ، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا، حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي» فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ الله وَرَسُولِهِ»، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى» قَالَ حَسَّانُ:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ الله فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا ... رَسُولَ الله شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ
يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ الله فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ الله: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَالَ الله: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا ... هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ الله فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ». رواه مسلم.
فالشعر في نصرة الحق وأهله ممدوح ومرغب فيه، فإن له قوته وتأثيره، ويوقع في العدو هزائم نفسية بفضل الله تعالى.
  وقد قال ربنا قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا الله كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 224 - 227].
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في « تفسيره » (17 / 678) :«وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} . وَذُكِرَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ نَزَلَ فِي شُعَرَاءِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ هُوَ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ الله بِهَا. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ». اهــ
وقال الإمام البغوي رحمه الله في «تفسيره» (6 / 136) :«ثُمَّ اسْتَثْنَى شُعَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُجِيبُونَ شُعَرَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَهْجُونَ شُعَرَاءَ الْكُفَّارِ، وَيُنَافِحُونَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}»اهـــ
قال شيخ الإسلام رحمه الله في «الاستقامة» (1 / 242) :«فَلم يذم الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا من الشُّعَرَاء المنتصرين من بعد مَا ظلمُوا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير من أَن يمتلئ شعرًا فذم الممتلئ بالشعر الَّذِي لم يسْتَعْمل بِمَا يُوجب الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح وَذكر الله كثيرا وَلم يذم الشّعْر مُطلقًا بل قد يبين معنى الحَدِيث مَا قَالَه الشَّافِعِي الشّعْر كَلَام فحسنه كحسن الْكَلَام وقبيحه كقبيحه هَذَا قَوْله فِي الشّعْر» اهـــ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في «التمهيد » (22 / 196) :«وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشِّعْرَ لَا يَضُرُّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ حَقًّا وَأَنَّهُ كَالْكَلَامِ الْمَنْثُورِ يُؤْجَرُ مِنْهُ الْمَرْءُ عَلَى مَا يُؤَجَرُ مِنْهُ وَيُكْرَهُ لَهُ مِنْهُ مَا يُكْرَهُ مِنْهُ وَالله أَعْلَمُ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ وَالله أَعْلَمُ أَنَّهُ الَّذِي قَدْ غَلَبَ الشِّعْرُ عَلَيْهِ فَامْتَلَأَ صَدْرُهُ مِنْهُ دُونَ عِلْمٍ سِوَاهُ وَلَا شَيْءَ مِنَ الذِّكْرِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَخُوضُ بِهِ فِي الْبَاطِلِ وَيَسْلُكُ بِهِ مَسَالِكَ لَا تُحْمَدُ لَهُ كَالْمُكْثِرِ مِنَ الْهَذْرِ وَاللَّغَطِ وَالْغِيبَةِ وَقَبِيحِ الْقَوْلِ وَلَا يَذْكُرُ الله كَثِيرًا وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا اجْتَمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَعْنَى مَا قُلْتُ مِنْهُ وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الشِّعْرُ كَلَامٌ فَحَسَنَهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ أَنَّهُ قَوْلٌ صَحِيحٌ وَبِالله التَّوْفِيقُ» اهــ
وقال العيني رحمه الله في «عمدة القاري» (22 / 181) :« وَذكر هَذِه الْآيَات مُنَاسِب لقَوْله:« وَمَا يكره مِنْهُ» لِأَنَّهَا فِي ذمّ الشُّعَرَاء الَّذين يَهْجُونَ النَّاس ويلحقهم الشُّعَرَاء الَّذين يمدحون النَّاس بِمَا لَيْسَ فيهم ويبالغون حَتَّى إِن بَعضهم يخرج عَن حد الْإِسْلَام، ويأتون فِي أشعارهم من الخرافات والأباطيل ».اهــ
وقال الملا علي القاري رحمه الله  في «مرقاة المفاتيح» (7 / 3012) :«وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ الله عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً»  أَيْ: مَا فِيهِ حَقٌّ وَحِكْمَةٌ، أَوْ قَوْلًا صَادِقًا مُطَابِقًا لِلْحَقِّ، وَقِيلَ: أَصْلُ الْحِكْمَةِ الْمَنْعُ، فَالْمَعْنَى: أَنَّ مِنَ الشِّعْرِ كَلَامًا نَافِعًا يَمْنَعُ عَنِ السَّفَهِ وَالْجَهْلِ، وَهُوَ مَا نَظَّمَهُ الشُّعَرَاءُ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْأَمْثَالِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، فَإِنَّ الشِّعْرَ كَلَامٌ، فَحَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ »اهــ
وقال السندي رحمه الله  في «حاشيته على ابن ماجه» (2 / 410) :«قَوْلُهُ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةٌ» مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ يُرِيدُ أَنَّ الشِّعْرَ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ حَالُ الْمَعَانِي فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْمَدَارِ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعَانِي لَا عَلَى كَوْنِ الْكَلَامِ نَثْرًا، أَوْ نَظْمًا فَإِنَّهُمَا كَيْفِيَّتَانِ لِأَدَاءِ الْمَعْنَى وَطَرِيقَانِ إِلَيْهِ، وَلَكِنِ الْمَعْنَى إِنْ كَانَ حَسَنًا وَحِكْمَةً فَذَلِكَ الشِّعْرُ حِكْمَةٌ وَإِذَا كَانَ قَبِيحًا فَذَلِكَ الشِّعْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُذَمُّ الشِّعْرُ شَرْعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَالِبًا يَكُونُ مَدْحًا لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] أَثْنَى عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: 227] الْآيَةَ.»
أيها الأحبة: كما ترون أهمية الشعر الحسن والجميل في الدفاع عن الحق ونصرة أهله، وفي المواعظ والتذكير والارشاد والدعوة إلى الله عز وجل، فإذا خرج الشعر والشاعر عن هذا المقصود؛ وجازف في الألفاظ، وحصل الغلو، ومجاوزة الحدود، وقول الباطل كان مذموما ممنوعا:
فقد جاء من حديث الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ» رواه البخاري
قال الملا علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (5 / 2065) :« وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِنْشَادِ شِعْرٍ لَيْسَ فِيهِ فُحْشٌ وَكَذِبٌ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْقَائِلَةَ مَقُوَلَهَا: وَفِينَا نَبِيٌّ إِلَخْ». اهــ
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في «الإخنائية أو الرد على الإخنائي » (365) : «دعي هذا، وقولي الذي كنت تقولين) ، ومثل هذا كثير من نهيه عن المنكر بحضرته، فكل من رآه في حياته لم يتمكن أن يفعل بحضرته منكرًا يقر عليه». اهــ
أيها الأحبة: تعلمون خطر المجازفات في العبارات والألفاظ والكلمات، فرب كلمة لا يلقي لها الإنسان بالًا تؤدي به إلى الهاوية والهلاك والعياذ بالله:
فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ الله بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» رواه البخاري
وفي لفظ متفق عليه« إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ».
قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (18 / 117) :« معناه لا يتدبرها ويفكر في قبحها ولا يخاف مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَهَذَا كَالْكَلِمَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ وَكَالْكَلِمَةِ تُقْذَفُ أَوْ مَعْنَاهُ كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم وَنَحْوُ ذَلِكَ..». اهــ
وقال ابن بطال رحمه الله  في «شرح صحيح البخاري» (10 / 198) :«فينبغي للمؤمن ألا يزهد في قليل من الخير يأتيه، ولا يستقل قليلاً من الشر يجتنيه فيحسبه هينًا، وهو عند الله عظيم، فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا يعلم السيئة التي يسخط الله عليه بها، وقد قال الحسن البصرى: من تقبلت منه حسنة واحدة دخل الجنة. وقوله صلى الله عليه وسلم : «أصدق كلمة قالها الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل» فالمراد به الخصوص؛ لأن كل ما قرب من الله فليس بباطل، وإنما أراد أن كل شيء من أمور الدنيا التي لا تؤول إلى طاعة الله، ولا تقرب منه فهي باطل» .اهــ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (11 / 311) :«أيْ لَا يَتَأَمَّلُهَا بِخَاطِرِهِ وَلَا يَتَفَكَّرُ فِي عَاقِبَتِهَا وَلَا يَظُنُّ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ شَيْئًا وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ الله عَظِيمٌ» اهــ
أيها الأحبة: تعلمون بارك الله فيكم، كم عانت الدعوة السلفية من الحرب الضروس؛ التي شنها الحزبيون وأهل الأهواء على الدعوة السلفية، وعلى حملتها السلفيين، ويحاولون جادين التصيد من أجل الظفر بشيء يكون حجة لهم على هذه الدعوة السلفية المباركة.
ومما سعى إليه هؤلاء الحزبيون المبتدعة هو إلصاق الغلو والجزاف بهذه الدعوة وبرجالها السلفيين، وكان مما استغلوه هؤلاء المحاربون للدعوة، لهو فلتات وزلقات بعض الشعراء؛ ممن لم يدرك ما يقوله وعاقبة بعض ألفاظه، أو لم ينته لبعض ألفاظه.
وسعى هؤلاء المحاربون للدعوة إلصاق هذه الأخطاء من بعض الشعراء في الدعوة نفسها، وأن أهلها غلاة وعندهم جزاف، وهم لا يصورون للناس أن هذا خطأ من هذا الشاعر أو زلة قلم، بل يحملون الدعوة السلفية هذه الأخطاء الفردية، مع علمهم يقينا أن أهل السنة ينكرون هذه المجازفات، وهذه العبارات ويتبرؤون منها علانية، وقد تراجع القائلون بهذه الأخطاء وتابوا إلى الله علانية.
 أيها الأحبة: الشاهد بارك الله فيكم أن الدعوة قد تؤتى من قبل بعض أهلها، بسبب عبارات وألفاظ وأبيات شعرية، فلو نظر فيها قائلها، وتمعن فيها لما قالها ولما نطق بها، وليس عيبًا ولا نقصًا أن تترك عبارات وألفاظ لا مصلحة فيها أو هي مخالفة للشرع، وليس كلما بدر بنفسك وخاطرك تقوله وتكتبه.
وليس نقصا أن تستجيب لنصح الناصح الذي يرى أن عباراتك خاطئة، وضررها كبير عليك وعلى غيرك.
وليس نقصا أن تَعرض ما تقوله وما دار في خاطرك وسطرته بنانك على من هو أعلم منك وأفقه منك، وعارف بالمعاني ومدلولاتها، وبحمد الله هذه الدعوة المباركة فيها شعراء أفاضل أجلة متمكنون بحمد الله في الوزن وفي العقيدة وفي مدلولات الألفاظ، فلو عرضت قصائدك على عدد منهم لما كان ذلك نقصًا فيك، بل هذا تكميل لك -بإذن الله- فيما تقول وتكتب.
أيها الأحبة: مراعات المصالح والمفاسد أمر عظيم عليه أدلته من الكتاب والسنة، فمراعات الحال أمر مطلوب شرعا:
فقد جاء من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ ».
وجاء من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ يَا رَسُولَ الله هَذَا الخَبِيثَ؟ لِعَبْدِ الله، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» متفق عليه
فما كل ما يخطر ببالك تقوله وتنشره، لا بد من النظر فيه، وفي عواقبه، وموافقته للشرع، وهل من المصلحة قوله؟، هذا أمر مهم جدا.
أيها الأحبة: إن العدل مع القريب والبعيد من صفات أهل الحق، ومن مميزاتهم التي ميزهم الله بها على غيرهم وقد أمر الله بذلك ومدح فاعليه.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8].
قال الإمام البخاري رحمه الله في «صحيحه»: «بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]
ثم ذكر حديث  أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] » وَالوَسَطُ: العَدْلُ .
فأهل السنة وسط عدل خيار -بفضل الله تعالى- لا يقولون في الغير ما ليس فيهم، بل من عدلهم يقولون ما فيهم بلا زيادة ولا نقصان .
فهذا تذكير وتنبيه لإخواني الأحبة الأجلة لسد الخلل
 وربنا سبحانه وتعالى يقول {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} [الأعلى: 9 - 11]
ويقول الله تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21، 22]
والحمد لله رب العالمين
كتبه
أبو حمزة محمد بن حسن السِّوَري

ليلة الخميس 6رجب 1437 هجرية


نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى