السبت

[تبصير الصـــالحــــين بأن أهل البدع أضرعلى الإسلام والمسلمين] ويليه [ تشويه البرامكة للدعوة السلفية]

 

تبصير الصـــالحــــين

بأن أهل البدع أضر

على الإسلام والمسلمين

 

ويليه

تشويه البرامكة للدعوة السلفية

 

 

كتبه

أبو حمزة محمد بن حسن السِّوَري

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين، وعلى آله، وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 يقول الله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57].

ويقول تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].

أما بعد:

فقد تقرر عند أهل السنة والجماعة السلفيين قديما وحديثا؛ أن أهل البدع أضر على الإسلام والمسلمين من أهل المعاصي والفجور، ومن الولاة الظلمة، ومن الحيوانات المفترسة، وأضر من بعضهم البعض، وقد يكون أيضا أضر من اليهود والنصارى والكافرين الواضحين، لأنهم يَلبسُون لباس الدين والصلاح، ويُظهرون للأمة أنهم أهل الحق والعدل، وأن ما يفعلونه من بدع؛ أنها دين وقربة وهداية وصلاح، وأنهم أهل الصراط المستقيم، والدين القويم، ويُلبسُون على المجتمعات بأقوالهم وأفعالهم، ويُشوهون صورة الإسلام الحقيقية؛ ببدعهم وباطلهم وضلالهم وانحرافاتهم، وهم دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها.

قال حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ بن اليمان رضي الله عنه، كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا الله بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» رواه البخاري (3606)، ومسلم (1847).

وقال مفضل بن مهلهل رحمه الله: " لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْبِدْعَةِ إِذَا جَلَسْتَ إِلَيْهِ يُحَدِّثُكَ بِبِدْعَتِهِ حَذَرْتَهُ وَفَرَرْتَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ يُحَدِّثُكَ بِأَحَادِيثِ السُّنَّةِ فِي بُدُوِّ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْكَ بِدْعَتَهُ فَلَعَلَّهَا تَلْزَمُ قَلْبَكَ فَمَتَى تَخْرُجُ مِنْ قَلْبِكَ" اهـ من رواه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (2/ 444) وهو حسن.

وقال ابن القيم رحمه الله في «الفوائد» (ص61): «عُلَمَاء السوء جَلَسُوا على بَاب الْجنَّة يدعونَ إِلَيْهَا النَّاس بأقوالهم ويدعونهم إِلَى النَّار بأفعالهم فَكلما قَالَت أَقْوَالهم للنَّاس هلمّوا قَالَت أفعالهم لَا تسمعوا مِنْهُم فَلَو كَانَ مَا دعوا إِلَيْهِ حَقًا كَانُوا أول المستجيبين لَهُ فهم فِي الصُّورَة أدلاء وَفِي الْحَقِيقَة قطّاع الطّرق» اهـ

وقال ابن ابي العز رحمه الله في «شرح الطحاوية» (1/ 235): "«...وَأَحْبَارُ السُّوءِ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ الْخَارِجُونَ عَنِ الشَّرِيعَةِ بِآرَائِهِمْ وَأَقْيِسَتِهِمُ الْفَاسِدَةِ، الْمُتَضَمِّنَةِ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ، وَتَحْرِيمَ مَا أَبَاحَهُ، وَاعْتِبَارَ مَا أَلْغَاهُ، وَإِلْغَاءَ مَا اعْتَبَرَهُ، وَإِطْلَاقَ مَا قَيَّدَهُ، وَتَقْيِيدَ مَا أَطْلَقَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالرُّهْبَانُ وَهُمْ جُهَّالُ الْمُتَصَوِّفَةِ، الْمُعْتَرِضُونَ عَلَى حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالشَّرْعِ، بِالْأَذْوَاقِ وَالْمَوَاجِيدِ وَالْخَيَالَاتِ وَالْكُشُوفَاتِ الْبَاطِلَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ، الْمُتَضَمِّنَةِ شَرْعَ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله، وَإِبْطَالَ دِينِهِ الَّذِي شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالتَّعَوُّضَ عَنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ بِخُدَعِ الشَّيْطَانِ وَحُظُوظِ النَّفْسِ..» اهـ.

 وقال ابن بطة رحمه الله في «الإبانة الكبرى» (2/ 554): «فَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ يَا أَخِي رَحِمَكَ الله فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَلَى الله مَا لَا يَعْلَمُونَ ، وَيَعِيبُونَ مَا يَأْتُونَ ، وَيَجْحَدُونَ مَا يَعْلَمُونَ ، وَيُبْصِرُونَ الْقَذَى فِي عُيُونِ غَيْرِهِمْ، وَعُيُونُهُمْ تَطْرِفُ عَلَى الْأَجْذَالِ ، وَيَتَّهِمُونَ أَهْلَ الْعَدَالَةِ وَالْأَمَانَةِ فِي النَّقْلِ ، وَلَا يَتَّهِمُونَ آرَاءَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ عَلَى الظَّنِّ ، وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ اخْتِلَافًا ، وَأَشَدُّهُمْ تَنَافِيًا وَتَبَايُنًا ، لَا يَتَّفِقُ اثْنَانِ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ عَلَى قَوْلٍ ، وَلَا يَجْتَمِعُ رَجُلَانِ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى مَذْهَبٍ. فَأَبُو الْهُذَيْلِ يُخَالِفُ النَّظَّامَ وَحُسَيْنٌ النَّجَّارُ يُخَالِفُهُمَا ، وَهِشَامٌ الْفُوَطِيُّ يُخَالِفُهُمْ ، وَثُمَامَةُ بْنُ أَشْرَسَ يُخَالِفُ الْكُلَّ ، وَهَاشِمٌ الْأَوْقَصُ وَصَالِحُ بْنُ قُبَّةَ يُخَالِفَانِهِمْ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدِ انْتَحَلَ لِنَفْسِهِ دِينًا يَنْصُرُهُ ، وَرَبًّا يَعْبُدُهُ ، وَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابٌ يَتْبَعُونَهُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَهُ ، وَيَلْعَنُ مَنْ لَا يَتْبَعُهُ ، وَهُمْ فِي اخْتِلَافِهِمْ وَتَبَايُنِهِمْ كَاخْتِلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113].

فَاخْتِلَافُهُمْ كَاخْتِلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي التَّوْحِيدِ، وَفِي صِفَاتِ الله، وَفِي الْكَيْفِيَّةِ، وَفِي قُدْرَةِ الله، وَفِي عَظَمَتِهِ، وَفِي نَعِيمِ الْجَنَّةِ، وَفِي عَذَابِ النَّارِ، وَفِي الْبَرْزَخِ، وَفِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَفِي الرَّقِّ الْمَنْشُورِ، وَفِي عِلْمِ الله» اهـ.

وقال السبكي رحمه الله: "وَلَا يُقَلِّدُ فِي ذَلِكَ مَنْ يَخْشَى جَهْلَهُ أَوْ تَهَوُّرَهُ أَوْ هَوَاهُ أَوْ دَسَائِسَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ أَوْ بِدْعَةً تَخْرُجُ فِي صُورَةِ السُّنَّةِ يَلْبِسُ عَلَيْهِ فِيهَا كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُبْتَدِعِينَ وَذَلِكَ أَضَرُّ شَيْءٍ فِي الدِّينِ وَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ اهـ" فتاوى السبكي (1/ 186)

وقد تكاثرت الأدلة وأقوال السلف رضوان الله عنهم في معنى ذلك:

قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204 - 206].

وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175، 176].

وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

وقال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47].

وقال تعالى: ﵟ لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ ‌وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱلله وَهُمۡ كَٰرِهُونَ ٤٨ﵞ [التوبة: 48] 

قال ابن عبد البر رحمه الله في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 1199): "بَابٌ فِيمَنْ تَأَوَّلَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: «أَهْلُ الْبِدَعِ أَجْمَعُ أَضْرَبُوا عَنِ السُّنَّةِ وَتَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ مَا بَيَّنَتِ السُّنَّةُ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَنَعُوذُ بِالله مِنَ الْخُذْلَانِ وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ بْرَحْمَتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحْذِيرُ عَنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا أَثَرٍ مِنْهَا مَا» اهـ

ونستطيع أن نقسم ضررهم كما يأتي:

أهل البدع أضر من أهل المعاصي والولاة الظلمة

} فعن عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الله لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». رواه البخاري (100)، ومسلم (2673).

} وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ تَحْتَ مِنْبَرِ عُمَرَ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ " رواه عبد بن حميد في "المنتخب" (11)، وأحمد (1/ 22 و44)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (1777)، وقال الألباني في "الصحيحة" (3/ 11): "إسناده صحيح".

} وقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لزِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: «هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ» رواه الدارمي في "سننه" (1/ 63) رقم (220)، وصححه الألباني في "المشكاة" (269)، وقال الشيخ حمود التويجري في «الرد القويم على المجرم الأثيم» (ص27): " رواه الدارمي بإِسناد حسن، وله حكم الرفع» اهـ

} وعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ جِدَالُ الْمُنَافِقِ عَلِيمِ اللِّسَانِ" رواه ابن حبان في "صحيحه" (3783)، والطبراني في "الكبير" "18/ 593".

قَالَ الْبَزَّارُ: "لا نَحْفَظُهُ إِلا عَنْ عُمَرَ، وَإِسْنَادُ عُمَرَ صَالِحٌ، فَأَخْرَجَنَاهُ عَنْهُ، وَأَعَدْنَاهُ عَنْ عِمْرَانَ؛ لِحُسْنِ إِسْنَادِ عِمْرَانَ» اهـ من "كشف الأستار عن زوائد البزار» (1/ 98)، وصححه الألباني رحمه الله.

قال المناوي رحمه الله في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 52): "(أخوف) أَي من أخوف (مَا أَخَاف على أمّتي) أمّة الْإِجَابَة (كل مُنَافِق عليم اللِّسَان) أَي عَالم للْعلم منطلق اللِّسَان بِهِ لكنه جَاهِل الْقلب وَالْعَمَل فَاسد العقيدة مغر للنَّاس بشقاشقه وتفحصه وتقعره فِي الْكَلَام" اهـ

} وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ المُضِلِّينَ» رواه أحمد في «مسنده» (37/ 77 ط الرسالة)، وأبو داود (4252)، والترمذي (2229)، وهو صحيح.

قال المناوي رحمه الله في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 309): "(إنّ أخوف مَا أَخَاف) أَي إنّ من أخوف شَيْء أخافه (على أمتِي) أمة الْإِجَابَة (الْأَئِمَّة) جمع إِمَام وَهُوَ مقتدى الْقَوْم المطاع فيهم (المضلون) يَعْنِي إِذا استقصيت الْأَشْيَاء المخوفة لم يُوجد أخوف من ذَلِك" اهـ

وقال العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في "تيسير العزيز الحميد" (ص: 317): "قوله: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين). أي: الأمراء والعلماء والعباد، الذين يقتدي بهم الناس، ويحكمون فيهم بغير علم فيضلون ويضلون، فهم ضالون عن الحق مضلون لغيرهم، كما قال تعالى عن أهل النار: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ}. وقال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا}. وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}.."اهــ

وقال العلامة عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" (ص: 272): "وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" أتى بإنما التي قد تأتي للحصر بيانا لشدة خوفه على أمته من أئمة الضلال; وما وقع في خَلَد النبي صلي الله عليه وسلم من ذلك إلا لما أطلعه الله عليه من غيبه أنه سيقع نظير ما في الحديث قبله من قوله: "لتتبعن سنن من كان قبلكم " الحديث". اهـ.

} وقال مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رحمه الله: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا ارْتَكَبَ جَمِيعَ الْكَبَائِرِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ لَرَجَوْتُ لَهُ مَنْ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ فَلْيِبْشِرْ" اهـ رواه أبو إسماعيل الهروي "ذم الكلام وأهله" (5/ 77).

} وقال سفيان الثوري رحمه الله: «الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، الْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لَا يُتَابُ مِنْهَا». رواه علي بن الجعد في «مسنده» (1809)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/ 26)، والهروي في «ذم الكلام وأهله» (5/ 121)، وهو صحيح

قال شيخ الإسلام كما في «مجموع الفتاوى» (11/ 684): «فأما ما قد يتخذ دينا فلا يعلم أنه ذنب إلا من علم أنه باطل. كدين المشركين وأهل الكتاب المبدل فإنه مما تجب التوبة والاستغفار منه وأهله يحسبون أنهم على هدى، وكذلك البدع كلها. ولهذا قال طائفة من السلف - منهم الثوري -: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها» وهذا معنى ما روي عن طائفة أنهم قالوا: إن الله حجر التوبة على كل صاحب بدعة بمعنى أنه لا يتوب منها؛ لأنه يحسب أنه على هدى ولو تاب لتاب عليه كما يتوب على الكافر» اهـ.

} وذكر أبو بَكْرِ بنَ عَيَّاشٍ، أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ يُخَاصِمُونَ وقَالَ: كَانَ مُغِيرَةُ (ابنُ مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ) يَقُولُ: «وَالله الَّذِي لَا إِلَهُ إِلَّا هُوَ لَأَنَا أَخْوَفُ عَلَى الدِّينِ مِنْهُمْ مِنَ الْفُسَّاقِ»، وَحَلَفَ الْأَعْمَشُ وقَالَ: وَالله الَّذِي لَا إِلَهُ إِلَّا هُوَ مَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُمْ قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ يَعْنِي الْمُرْجِئَةَ؟ قَالَ: «الْمُرْجِئَةُ وَغَيْرُ الْمُرْجِئَةِ» اهـ رواه عبد الله بن أحمد في "السنة" (1/ 190).

وذكره شيخنا مقبل رحمه الله في «نشر الصحيفة» (ص380) وقال في الحاشية: «مغيرة بن مقسم - بكسر الميم - الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي الأعمى ثقة متقن إلا أنه كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم من السادسة مات سنة ست وثلاثين على الصحيح من رجال الجماعة» اهـ

} وَقَالَ أَرْطَاة ُ بْنُ اَلْمُنْذِرِ رحمه الله: "لَأَنْ يَكُونَ اِبْنِي فَاسِقًا مِنْ اَلْفُسَّاقِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ اَلْهَوَى". رواه الهروي في "ذم الكلام" رقم (915).

} وقال عوام بن حوشب رحمه الله لأبنه: «يَا عِيسَى، أَصْلِحْ لله قَلْبَكَ، وَأَقِلَّ مَالَكَ» وَكَانَ يَقُولُ: "وَالله، لَأَنْ أَرَى عِيسَى يُجَالِسُ أَصْحَابَ الْبَرَابِطِ، وَالْأَشْرِبَةِ، وَالْبَاطِلِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَاهُ يُجَالِسُ أَصْحَابَ الْخُصُومَاتِ، يَعْنِي: أَهْلَ الْبِدَعِ" رواه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (ص: 56) وهو صحيح.

} وَقَالَ أَحْمَدَ بْنَ سِنَانٍ رحمه الله: " لَئِنْ يُجَاوِرَنِي صَاحِبُ طُنْبُورٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُجَاوِرَنِي صَاحِبُ بِدْعَةٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الطُّنْبُورِ أَنْهَاهُ وَأَكْسَرُ الطُّنْبُورَ وَالْمُبْتَدِعُ يُفْسِدُ النَّاسَ وَالْجِيرَانَ وَالْأَحْدَاثَ" اهـ رواه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (2/ 469) وهو صحيح.

} وقال مَعْمَرٌ رحمه الله: "كَانَ ابْنُ طَاووُسٍ جَالِسًا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ قَالَ: فَأَدْخَلَ ابْنُ طَاووُسٍ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ قَالَ: وَقَالَ لِابْنِهِ: أَيْ بُنَيَّ، أَدْخِلْ إِصْبَعَيْكَ فِي أُذُنَيْكَ، وَاشْدُدْ، وَلَا تَسْمَعْ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا، قَالَ مَعْمَرٌ: يَعْنِي أَنَّ الْقَلْبَ ضَعِيفٌ» رواه البيهقي في "القضاء والقدر" (ص: 323)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (2/ 446)، وهو صحيح.

} وقال الإمام أحمد رحمه الله: «قبورُ أهل السُّنة من أهل الكبائر روضةٌ، وقبورُ أهل البدعة من الزُّهَّاد حفرةٌ، فسَّاق أهلِ السنَّة أولياءُ الله، وزهَّادُ أهلِ البدعة أعداءُ الله» رواه ابو يعلي في «طبقات الحنابلة» (1/ 184)، وهو صحيح.

} وقال البغوي رحمه الله في «التهذيب في فقه الإمام الشافعي» (2/ 269): «والصلاة خلف المبتدع أشد كراهية منها خلف الفاسق؛ لأن فسق الفاسق يفارقه في الصلاة، واعتقاد المبتدع لا يفارقه» اهـ.

} وقال الإمام البربهاري رحمه الله في "شرح السنة": "وإذا رأيت الرجل: رديء الطريق والمذهب، فاسقا فاجرا، صاحب معاص، ظالماً، وهو من أهل السنة؛ فاصحبه واجلس معه فإنه ليس تضرك معصيته، وإذا رأيت الرجل عابداً، مجتهداً، متقشفاً، محترفاً بالعبادة، صاحب هوى؛ فلا تجلس معه ولا تسمع كلامه ولا تمشي معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقه فتهلك معه.

ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: يا بني من أين خرجت. قال: من عند فلان. قال: يا بني لأن أراك خرجت من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك خرجت من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله زانيا سارقا خائنا أحب إلي من أن تلقاه بقول أهل الأهواء.

 أفلا تعلم أن يونس قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفره." اهـ.

} وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (20/ 103): «إنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي الشَّهْوَانِيَّةِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَنَهَى عَنْ قِتَالِ أَئِمَّةِ الظُّلْمِ {وَقَالَ فِي الَّذِي يَشْرَبُ الْخَمْرَ: لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ} " {وَقَالَ فِي ذِي الخويصرة: يَخْرُجُ مِنْ ضئضئ هَذَا أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ - وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الْإِسْلَامِ - كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمْيَةِ يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ الله لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ".

وَقَدْ قُرِّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْمَعَاصِي ذُنُوبُهُمْ فِعْلُ بَعْضِ مَا نُهُوا عَنْهُ: مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ زِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ أَكْلِ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَهْلُ الْبِدَعِ ذُنُوبُهُمْ تَرْكُ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْخَوَارِجَ أَصْلُ بِدْعَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعَهُ فِيمَا خَالَفَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ. وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ لَا يَرَوْنَ عَدَالَةَ الصَّحَابَةِ وَمَحَبَّتَهُمْ وَالِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ. وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ لَا يُؤْمِنُونَ بِعِلْمِ الله تَعَالَى الْقَدِيمِ وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ وَقُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ. وَكَذَلِكَ الْجَبْرِيَّةُ لَا تُثْبِتُ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَمَشِيئَتَهُ وَقَدْ يَدْفَعُونَ الْأَمْرَ بِالْقَدَرِ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ. وَكَذَلِكَ مُقْتَصِدَةُ الْمُرْجِئَةِ مَعَ أَنَّ بِدْعَتَهُمْ مِنْ بِدَعِ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ فِيهَا كُفْرٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ أَدْخَلَهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْبِدَعِ الَّتِي حَكَى فِيهَا التَّكْفِيرَ وَنَصَرَهُ فَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ إدْخَالَ الْأَعْمَالِ أَوْ الْأَقْوَالِ فِي الْإِيمَانِ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ وَأَمَّا غَالِيَةُ الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالْعِقَابِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ النُّصُوصَ خَوَّفَتْ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَهَذَا الْقَوْلُ عَظِيمٌ وَهُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ وَكَذَلِكَ الوعيدية لَا يَرَوْنَ اعْتِقَادَ خُرُوجِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ النَّارِ وَلَا قَبُولَ الشَّفَاعَةِ فِيهِمْ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَضُمُّونَ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادًا مُحَرَّمًا: مِنْ تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَتَخْلِيدٍ. قِيلَ: هُمْ فِي ذَلِكَ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْكُفَّارِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَنَفْسُ تَرْكِ الْإِيمَانِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ضَلَالَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ اعْتِقَادٌ وُجُودِيٌّ فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ أَصْلٌ مِنْ السُّنَّةِ لَمَا وَقَعُوا فِي الْبِدْعَةِ» اهـ.

} وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " منهاج السنة" (5/ 149): "ثُمَّ الْمَعَاصِي الَّتِي يَعْرِفُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ عَاصٍ [يَتُوبُ مِنْهَا، وَالْمُبْتَدَعُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ كَالْخَوَارِجِ وَالنَّوَاصِبِ الَّذِي نَصَبُوا الْعَدَاوَةَ وَالْحَرْبَ] لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَابْتَدَعُوا بِدْعَةً، وَكَفَّرُوا مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَيْهَا، فَصَارَ بِذَلِكَ ضَرَرُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمَ مِنْ ضَرَرِ الظَّلَمَةِ، الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الظُّلْمَ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ كَانَتْ عُقُوبَةُ أَحَدِهِمْ فِي الْآخِرَةِ لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ قَدْ تَكُونُ أَخَفَّ، لَكِنْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ، وَنَهَى عَنْ قِتَالِ الْأُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ، وَتَوَاتَرَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ.

فَقَالَ: فِي الْخَوَارِجِ: " «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ» ".

وَقَالَ فِي بَعْضِهِمْ: " «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ: وَيَدْعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ» "

وَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: " «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تُلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» " أَيْ تُلْقُونَ مَنْ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْكُمْ بِالْمَالِ وَلَا يُنْصِفُكُمْ، فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي قِتَالِهِمْ.

وَقَالَ أَيْضًا: " «سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَطْلُبُونَ مِنْكُمْ حَقَّكُمْ وَيَمْنَعُونَكُمْ حَقَّهُمْ ". قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " أَدَّوْا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا الله حَقَّكُمْ» ".

وَقَالَ: " «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» ".

وَقَالَ: " «مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» ".

وَقَالَ: " «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشَرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ". قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: " لَا مَا صَلَّوْا» ".

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ، إِلَى أَحَادِيثَ أَمْثَالِهَا......

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ «أَنَّهُ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَسِّمُ مَالًا فَجَاءَ ذُو الْخُوَيْصِرَةَ التَّمِيمِيُّ، وَهُوَ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، نَاتِئِ الْجَبِينِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ. فَقَالَ: " وَيْحَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ " ثُمَّ قَالَ: أَيَأْمَنُنِي مَنْ فِي السَّمَاءِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟ " فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ: " يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَقْوَامٌ يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ» " الْحَدِيثَ

فَهَذَا كَلَامُهُ فِي هَؤُلَاءِ الْعِبَادِ لِمَا كَانُوا مُبْتَدِعِينَ. وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا أُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ جَلَدَهُ الْحَدَّ، فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ مَرَّةً فَلَعَنَهُ رَجُلٌ، وَقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " لَا تَلْعَنْهُ ; فَإِنَّهُ يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ» "فَنَهَى عَنْ لَعْنِ هَذَا الْمُعَيَّنِ الْمُدْمِنَ الَّذِي يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَشَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، مَعَ لَعْنَةِ شَارِبِ الْخَمْرِ عُمُومًا.

فَعُلِمَ الْفِرَقُ بَيْنَ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ وَالْخَاصِّ الْمُعَيَّنِ، وَعُلِمَ أَنَّ أَهْلَ الذُّنُوبِ الَّذِينَ يَعْتَرِفُونَ بِذُنُوبِهِمْ أَخَفُّ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةٍ يَسْتَحِلُّونَ بِهَا عُقُوبَةَ مَنْ يُخَالِفُهُمْ" اهــ

} وقال رحمه الله كما في مجموع "الفتاوى" (28/470): "وَكَذَلِكَ الْمُبْتَدِعُ الَّذِي خَرَجَ عَنْ بَعْضِ شَرِيعَةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِسُنَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرِيعَتِهِ وَأَمْوَالِهِمْ: هُوَ أَوْلَى بِالْمُحَارَبَةِ مِنْ الْفَاسِقِ وَإِنْ اتَّخَذَ ذَلِكَ دِينًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى الله. كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَتَّخِذُ مُحَارَبَةَ الْمُسْلِمِينَ دِينًا تَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى الله. وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْبِدَعَ الْمُغَلَّظَةَ شَرٌّ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي يَعْتَقِدُ أَصْحَابُهَا أَنَّهَا ذُنُوبٌ. وَبِذَلِكَ مَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَمَرَ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ عَنْ السُّنَّةِ وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَظُلْمِهِمْ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ مَعَ ذُنُوبِهِمْ وَشَهِدَ لِبَعْضِ الْمُصِرِّينَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى بَعْضِ الذُّنُوبِ أَنَّهُ يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ وَنَهَى عَنْ لَعْنَتِهِ وَأَخْبَرَ عَنْ ذِي الخويصرة وَأَصْحَابِهِ - مَعَ عِبَادَتِهِمْ وَوَرَعِهِمْ - أَنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ" اهـ.

 } وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع "الفتاوى" (7/284): "وَكَذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَئِمَّتُهُمْ خِيَارُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةُ أَهْلِ الْبِدَعِ أَضَرُّ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ. وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْخَوَارِجِ؛ وَنَهَى عَنْ قِتَالِ الْوُلَاةِ الظَّلَمَةِ؛ وَأُولَئِكَ لَهُمْ نَهْمَةٌ فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ؛ فَصَارَ يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ الْوَسَاوِسِ الَّتِي تُضِلُّهُمْ - وَهُمْ يَظُنُّونَهَا هُدًى فَيُطِيعُونَهَا - مَا لَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِمْ وَمَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ مَصَابِيحِ الْهُدَى وَيَنَابِيعِ الْعِلْمِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِأَصْحَابِهِ: كُونُوا يَنَابِيعَ الْعِلْمِ مَصَابِيحَ الْحِكْمَةِ سُرُجَ اللَّيْلِ؛ جُدُدَ الْقُلُوبِ أَحْلَاسَ الْبُيُوتِ خُلْقَانَ الثِّيَابِ؛ تُعْرَفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَتُخْفَوْنَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ" اهـ.

} وقال الإمام ابن باز رحمه الله في شرح "كتاب فضل الاسلام (ص: 12):"باب ما جاء أنَّ البدعة أشدُّ من الكبائر

وقوله: {إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].

 والمعنى أنَّ البدعة أكبر من الكبائر؛ لأنها تَنَقُّصٌ للإسلام، وإحداثٌ في الإسلام، وتهمةٌ للإسلام بالنَّقص؛ فلهذا يبتدع ويزيد، أما المعاصي فهي اتِّباع للهوى، وطاعة للشيطان، فهي أسهل من البدعة، وصاحبها قد يتوب ويُسارع وقد يتَّعظ، أما صاحب البدعة فيرى أنه مصيبٌ فلا يتوب، يرى أنه مُصيب، وأنه مجتهد؛ فيستمر في البدعة، نعوذ بالله، ويرى الدِّين ناقصٌ، وهو في حاجةٍ إلى بدعته؛ فلهذا صار أمر البدعة أشدَّ وأخطر من المعصية.

قال الله في أهل المعاصي: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:116]، أهل المعاصي تحت المشيئة، أما أهل البدع فشرُّهم عظيم، وخطرهم كبير؛ لأنَّ بدعتهم معناها: التَّنقص للإسلام، وأنه يحتاج إلى هذه البدعة، ويرى صاحبُها أنه محقٌّ، ويستمر عليها، ويبقى عليها، ويُجادل عنها، نسأل الله العافية" اهـ

وقال الإمام الألباني رحمه الله: "ولذلك أقول إن المبتدع أشد خطراً على المسلمين من الحاكم بغير ما أنزل الله؛ فإن المبتدع يقول إن هذه البدعة هي من عند الله وهي من شرع الله، حينما لا يجرأ على هذا الحاكم بغير ما أنزل الله، بل هو يصرح أن هذه القوانين محض هي نتاج البشر" اهـ من "موسوعة الألباني في العقيدة" (4/ 197)، و"سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة "(6/ 162).

} وقال العلامة صالح الفوزان حفظه الله جوابا عن سؤال:

 أيهما أشد عذابا: العصاة أم المبتدعة؟

الجواب: المبتدعة أشد؛ لأن البدعة أشد من المعصية، والبدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ ️لأن العاصي يتوب، وأما المبتدع فقليلا ما يتوب؛ لأنه يظن أنه على حق، بخلاف العاصي؛ فإنه يعلم أنه عاص، وأنه مرتكب لمعصية، أما المبتدع فإنه يرى أنه مطيع، وأنه على طاعة، فلذلك صارت البدعة - والعياذ بالله - شرا من المعصية، ولذلك يحذر السلف من مجالسة المبتدعة؛ لأنهم يؤثرون على مجالستهم، وخطرهم شديد.

ولا شك أن البدعة شر من المعصية، وخطر المبتدع أشد على الناس من خطر العاصي، ولهذا قال السلف: " اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة "️ اهـ من "كتاب الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة"(27 -28).

} وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله في «شرح كتاب السنة للبربهاري» (15/ 13 بترقيم الشاملة آليا): جوابا عن سؤال: ‌‌هل البدع أعظم من سائر المعاصي: كالزنا واللواط وغيرها؟

 ‌‌الجواب:

«نعم، هكذا قال العلماء: البدع أشد من الكبائر؛ لأن صاحب المعصية كالسارق وشارب الخمر يعلم أنه عاصٍ وقد يفكر في التوبة ويوفق لها، لكن صاحب البدع يظن أنه على الحق، فإذا نهيته عنها أصر عليها وقال إنها سنة، فلا يفكر في التوبة، ويبقى على بدعته.

وتختلف البدع وتتفاوت مثل المعاصي، فمنها ما هو عظيم فاحش ومنها ما هو صغير» اهـ

} وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله في «شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث» (7/ 6 بترقيم الشاملة آليا): «يقول الإمام الشافعي: لأن ألقى الله بكل معصية دون الشرك أسهل على من أن ألقاه بالبدعة؛ لأن البدع أشد من المعاصي؛ لأن صاحب المعصية الكبيرة مثل الزاني والسارق وشارب الخمر والمرابي عاصٍ، وضعيف الإيمان، لكن يعلم أنه عاص ومعترف بأنها معصية فهو يرجى له أن يتوب، بخلاف صاحب البدعة، فإنه يعتقد أنه على الحق، ولا يعترف لك بأنه على الباطل.

فإذا قلت: هذه بدعة، قال: لا، بل أنت المبتدع، فلا يفكر في التوبة، فلهذا كانت البدعة أشد من الكبيرة، وهي أحب إلى الشيطان من المعصية الكبيرة، فالذي يفعل كبيرة ويشهد الزور ويعق والديه، يعلم أنه عاص ويمكن أن يتوب أو حتى يفكر في التوبة، لكن المبتدع لا يعتقد أنه عاص، بل يعتقد أنه على الحق فمن كان يفعل بدعة المولد فإذا نهيته يقول: لا هذه محبة للرسول، أنت تبغض الرسول، أنا على الحق وأنت على الباطل، ولو كنت تحب الرسول لحضرت المولد.

كما أن المبتدع لا يعترف بأنه على الباطل، بل يعتقد أنه على الحق، ويتقرب إلى الله بالبدعة، فلا يفكر في أن يتوب منها، أما صاحب الكبيرة فهو يعلم أنه على معصية، ويعتقد أنها معصية، ويفكر في التوبة منها، فلهذا كانت البدعة أشد من المعصية، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: لأن ألقى الله بكل ذنب دون الشرك أسهل علي من أن ألقاه بالبدعة؛ لأن البدعة أشد من المعصية، وصاحب البدعة لا يتوقع أن يتوب في الغالب؛ لأنه يعتقد أنه على الحق» اهـ

أهل البدع أضر من الحيوانات

} وقال شريك القاضي رحمه الله «لَئِنْ يَكُونَ فِي كُلِّ قَبِيلَةٍ حِمَارٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي فُلَانٍ رَجُلٍ كَانَ مُبْتَدِعًا» اهـ رواه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (2/ 469)، وهو صحيح.

} وقال أَبو الْجَوْزَاءِ رحمه الله عندما ذكر أهل الأهواء: «والذي نفسي أَبِي الْجَوْزَاءِ بِيَدِهِ، لَأَنْ يَمْتَلِئَ دَارِي قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يُجَاوِرَنِي رَجُلٌ منهم، ولقد دخلوا في هذه الآية: {هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا}» اهـ رواه الفريابي في «القدر» (ص214)، وابن أبي زمنين «أصول السنة» (ص304)، وابن بطة في «الإبانة» (2/ 468)، والآجري في «الشريعة» (5/ 2549)، وهو حسن.

أهل البدع أضر من المحاربين

} قال الحميدي شيخ البخاري رحمه الله «وَالله لَأنْ أَغْزُوَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَرُدُّونَ حَدِيثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُوَ عِدَّتَهُمْ مِنَ الَأَتْرَاكِ» رواه الهروي في «ذم الكلام وأهله» (2/ 71) وهو صحيح.

} قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (4 / 238): "وَقَدْ رَأَى مَالِكٌ اسْتِتَابَةَ الْإِبَاضِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ فَإِنْ تَابُوا والا قتلوا ذكر ذلك إسمعيل الْقَاضِي عَنْ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ قُلْتُ لِأَبِي ثَابِتٍ هَذَا رَأْيُ مَالِكٍ فِي هَؤُلَاءِ حَسْبُ قَالَ بَلْ فِي كُلِّ أَهْلِ الْبِدَعِ قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا رَأَى مَالِكٌ ذَلِكَ فِيهِمْ لِإِفْسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَهُمْ أَعْظَمُ إِفْسَادًا مِنَ الْمُحَارِبِينَ لِأَنَّ إِفْسَادَ الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ إِفْسَادِ الْمَالِ لَا أَنَّهُمْ كُفَّارٌ" اهـ

} وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (28/ 231): "وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ؟ فَقَالَ: إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ. فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ الله؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ الله وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعِ بَغْيِ هَؤُلَاءِ وَعُدْوَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْلَا مَنْ يُقِيمُهُ الله لِدَفْعِ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا اسْتَوْلَوْا لَمْ يُفْسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّينِ إلَّا تَبَعًا وَأَمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ الْقُلُوبَ ابْتِدَاءً .....

 فَإِذَا كَانَ أَقْوَامٌ مُنَافِقُونَ يَبْتَدِعُونَ بِدَعًا تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَيُلْبِسُونَهَا عَلَى النَّاسِ وَلَمْ تُبَيَّنْ لِلنَّاسِ: فَسَدَ أَمْرُ الْكِتَابِ وَبُدِّلَ الدِّينُ؛ كَمَا فَسَدَ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ التَّبْدِيلِ الَّذِي لَمْ يُنْكَرْ عَلَى أَهْلِهِ. وَإِذَا كَانَ أَقْوَامٌ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ لَكِنَّهُمْ سَمَّاعُونَ لِلْمُنَافِقِينَ: قَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ حَتَّى ظَنُّوا قَوْلَهُمْ حَقًّا؛ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَصَارُوا دُعَاةً إلَى بِدَعِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ بَيَانِ حَالِ هَؤُلَاءِ؛ بَلْ الْفِتْنَةُ بِحَالِ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ فَإِنَّ فِيهِمْ إيمَانًا يُوجِبُ مُوَالَاتَهُمْ وَقَدْ دَخَلُوا فِي بِدَعٍ مِنْ بِدَعِ الْمُنَافِقِينَ الَّتِي تُفْسِدُ الدِّينَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ وَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ ذِكْرَهُمْ وَتَعْيِينَهُمْ؛ بَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَلَقَّوْا تِلْكَ الْبِدْعَةَ عَنْ مُنَافِقٍ؛ لَكِنْ قَالُوهَا ظَانِّينَ أَنَّهَا هُدًى وَأَنَّهَا خَيْرٌ وَأَنَّهَا دِينٌ؛ وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ بَيَانُ حَالِهَا. وَلِهَذَا وَجَبَ بَيَانُ حَالِ مَنْ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الرَّأْيِ وَالْفُتْيَا وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ..." اهـ

أهل البدع أضر من بعضهم البعض

} قال عَنِ الزُّهْرِيِّ رحمه الله: "مَا ابْتُدِعَتَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةٌ أَضَرُّ عَلَى الْمِلَّةِ مِنْ هَذِهِ يَعْنِي: أَهْلَ الْإِرْجَاءِ" اهـ رواه الآجري في "الشريعة" (2/ 677)، وهو صحيح.

} وقال إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَبَّادِيُّ رحمه الله، قُمْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ الله (أحمد بن حنبل)، فَأَتَيْتُ عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ الله فِي أَمْرِ ابْنِ مَعْذَلٍ، فَسُرَّ بِهِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ هَانِي، فَدَخَلَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَابْتَدَأَ عَبَّاسٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الله، قَوْمٌ هَاهُنَا حَدَّثُوا، يَقُولُونَ: لَا نَقُولُ مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ. قَالَ: «هَؤُلَاءِ أَضَرُّ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ عَلَى النَّاسِ" اهـ رواه أبو بكر الخلال في "السنة" (5/ 137)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (5/ 291)، وهو صحيح.

} وقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رحمه الله: كَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَقَتَادَةُ يَقُولَانِ: «لَيْسَ مِنَ الْأَهْوَاءِ شَيْءٌ أَخْوَفُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأُمَّةِ مِنَ الْإِرْجَاءِ» رواه عبد الله بن أحمد في «السنة» (1/ 318)، وأبو بكر الخلال في «السنة» (4/ 86)، وأو نعيم في «حلية الأولياء» (3/ 67)، وهو صحيح.

} وقال الإمام السجزي رحمه الله في «رسالة إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت» (ص270): «والمعتزلة مع سوء مذهبهم أقل ضرراً على عوام أهل السنة من هؤلاء، لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف (الإتيان من الخلف) ولم تموه. بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان، وإنه غيرمرئي وإنه لا سمع له ولا بصر.......فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء.

والكلابية والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة، والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه....

وكذلك كثير من مذهبه، يقول في الظاهر بقول أهل السنة مجملاً، ثم عند التفسير، والتفصيل يرجع إلى قول المعتزلة، فالجاهل يقبله بما يظهره، والعالم يجهره لما منه يخبره، والضرر بهم أكثر منه بالمعتزلة لإِظهار أولئك ومجاوبتهم أهل السنة وإخفاء هؤلاء ومخالطتهم أهل الحق. نسأل الله السلامة من كل برحمته» اهـ.

}وقال الحافظ ابن عساكر رحمه الله في «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري» (ص139): «وَذكر أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَعْرُوف بقاضي الْعَسْكَر وَكَانَ من كبراء أَصْحَاب أَبِي حنيفَة رضي الله عنه أَنه نظر فِي كتب صنفها المتقدمون فِي علم التَّوْحِيد قَالَ فَوجدت بَعْضهَا للفلاسفة مثل اسحق الْكِنْدِيّ والإسفرازي وأمثالهما وَذَلِكَ كُله خَارج عَن الطَّرِيق الْمُسْتَقيم زائغ عَن الدّين القويم لَا يجوز النّظر فِي تِلْكَ الْكتب لِأَنَّهُ يجر إِلَى المهالك لِأَنَّهَا مملوءَة من الشّرك والنفاق مُسَمَّاة باسم التَّوْحِيد وَلِهَذَا مَا أمسك المتقدمون من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة شَيْئا من كتبهمْ وَوجدت تصانيف كَثِيرَة فِي هَذَا الْفَنّ من الْعلم للمعتزلة مثل عبد الْجَبَّار الرَّازِيّ والجبائي والكعبي والنظام وَغَيرهم وَلَا يجوز إمْسَاك تِلْكَ الْكتب وَلَا النّظر فِيهَا كَيْلا تحدث الشكوك ويوهن الِاعْتِقَاد وَلِئَلَّا ينْسب ممسكها إِلَى الْبِدْعَة وَلِهَذَا مَا أمْسكهَا المتقدمون من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَكَذَا المجسمة صنفوا كتبا فِي هَذَا الْفَنّ مثل مُحَمَّد بن لهيصم وَأَمْثَاله وَلَا يحل النّظر فِيهَا وَلَا إِمْسَاكهَا فَإِنَّهُم شَرّ أهل الْبدع وَقد وَقع فِي يَدي بعض هَذِهِ التصانيف فَمَا أَمْسَكت مِنْهَا شَيْئا» اهـ

} وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (28/ 479): "وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَحْوَالِ؛ أَنَّ أَعْظَمَ السُّيُوفِ الَّتِي سُلَّتْ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَيْهَا وَأَعْظَمَ الْفَسَادِ الَّذِي جَرَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ: إنَّمَا هُوَ مِنْ الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبَةِ إلَيْهِمْ. فَهُمْ أَشَدُّ ضَرَرًا عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ وَأَبْعَدُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْخَوَارِجِ الحرورية وَلِهَذَا كَانُوا أَكْذَبَ فِرَقِ الْأُمَّةِ. فَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبَةِ إلَى الْقِبْلَةِ أَكْثَرُ كَذِبًا وَلَا أَكْثَرُ تَصْدِيقًا لِلْكَذِبِ وَتَكْذِيبًا لِلصِّدْقِ مِنْهُمْ وَسِيَّمَا النِّفَاقُ فِيهِمْ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي سَائِرِ النَّاسِ" اهـ.

} وقال الإمام الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب" (ص: 203): "فدعوة الإخوان المسلمين تعتبر نكبة على الدعوات لأن أكبر أعدائها هم أهل السنة، فهم يتحالفون مع الشيوعي والبعثي والناصري والعلماني والرافضي، ولكن لا يمكن أن يتعاونوا مع السّني فهو خطير وقد قال قائلهم: لو أن لي من الأمر شيئًا لبدأنا بكم يا أهل السنة قبل الشيوعية. وشاهد ذلك ما حصل لأهل كنر في أفغانستان الشيخ جميل ومن كان معه رحمه الله، وأبادوا الدعوة وأفنوها في كنر وذبحوا رجالها.

فدعوة الإخوان المسلمين نكبة على الدعوة، دعوة سياسية فهم يأتون السّني بالوجه السني إذا احتاجوا إليه، والبعثي بالوجه البعثي إذا احتاجوا إليه، والشيوعي بالوجه الشيوعي......أما حزب التحرير فهو حزب منحرف ضال يحرف في العقيدة، ويبيح المحرمات ومصافحة النساء، ويهمه الوثوب على السلطة، فهو أخبث من حزب الإخوان المفلسين وأخبث أفعل تفضيل يدل على المشاركة وزيادة فيجب أن يبتعد عنه، وقد قيل للنبهاني الذي كان مؤسّسه: لماذا لا تعلمون شبابكم القرآن؟ فقال: أنا لا أريد أن أخرج دراويش، وأجاز للمرأة الدخول في الانتخابات" اهـ

أهل البدع أضر من الدجال

} وقال الإمام ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (2/ 470): "فَالله الله مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْمِلَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ حُسْنُ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ وَمَا عَهِدَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِصِحَّةِ مَذْهَبِهِ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ بِدِينِهِ فِي مُجَالَسَةِ بَعْضِ أَهْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ , فَيَقُولُ: أُدَاخِلُهُ لِأُنَاظِرَهُ أَوْ لِأَسْتَخْرِجَ مِنْهُ مَذْهَبَهُ فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنَ الدَّجَّالِ  وَكَلَامُهُمْ أَلْصَقُ مِنَ الْجَرَبِ وَأَحْرَقُ لِلْقُلُوبِ مِنَ اللهبِ  وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ كَانُوا يَلْعَنُونَهُمْ  وَيَسُبُّونَهُمْ , فَجَالَسُوهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ فَمَا زَالَتْ بِهِمُ الْمُبَاسَطَةُ وَخَفْيُ الْمَكْرِ وَدَقِيقُ الْكُفْرِ حَتَّى صَبَوْا إِلَيْهِمْ" اهـ

 

أهل البدع ضررهم كأبليس

} وقال الشاطبي رحمه الله في "الاعتصام" (2/ 730): "حَيْثُ تَكُونُ الْفِرْقَةُ تَدْعُو إِلَى ضَلَالَتِهَا وَتَزْيِينِهَا فِي قُلُوبِ الْعَوَامِّ وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَضَرَرِ إِبْلِيسَ، وَهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، فَلَابُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَنِسْبَتُهُمْ إِلَى الْفِرَقِ إِذَا قَامَتْ لَهُ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْهُمْ.... كَمَا اشْتُهِرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ. فَرَوَى عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ. قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ فَوَقَعَ فِيهِ وَنَالَ مِنْهُ. فَقُلْتُ: أَبَا الْخَطَّابِ: أَلَا أَرَى الْعُلَمَاءَ يَقَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ فَقَالَ: يَا أَحْوَلُ أَوَلَا تَدْرِي أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ابْتَدَعَ بِدَعَةً فَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُذْكَرَ حَتَّى تُحْذَرَ؟ فَجِئْتُ مِنْ عِنْدِ قَتَادَةَ وَأَنَا مُغْتَمٌّ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ قَتَادَةَ فِي عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ نَسُكِهِ وَهَدْيِهِ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي نِصْفَ النَّهَارِ وَإِذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ يَحُكُّ آيَةً مِنْ كِتَابِ الله. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ الله! تَحُكُّ آيَةً مِنْ كِتَابِ الله؟ قَالَ إِنِّي سَأُعِيدُهَا. قَالَ: فَتَرَكْتُهُ حَتَّى حَكَّهَا. فَقُلْتُ لَهُ: أَعِدْهَا. فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ.

فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَابُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَالتَّشْرِيدِ بِهِمْ، لِأَنَّ مَا يَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ ضَرَرِهِمْ إِذَا تُرِكُوا، أَعْظَمُ مِنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِذِكْرِهِمْ وَالتَّنْفِيرِ عَنْهُمْ إِذَا كَانَ سَبَبُ تَرْكِ التَّعْيِينِ الْخَوْفُ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالْعَدَوَاةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الدَّاعِينَ لِلْبِدْعَةِ وَحْدَهُمْ - إِذَا أُقِيمَ - عَلَيْهِمْ أَسْهَلُ مِنَ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الدَّاعِينَ وَمَنْ شَايَعَهُمْ وَاتَّبَعَهُمْ..."اهـ

} وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في «إعلام الموقعين» (2/ 133): "«قَالَ عُمَرُ: يُفْسِدُ الزَّمَانَ ثَلَاثَةٌ: أَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ حَقٌّ، وَزَلَّةُ الْعَالِمِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ إلَّا قَالَ حِينَ يَجْلِسُ: الله حَكَمُ قِسْطٍ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ - الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقُولُ الضَّلَالَةُ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ ". قُلْت لِمُعَاذٍ: مَا يُدْرِينِي رَحِمَك الله أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ؟ قَالَ لِي: اجْتَنِبْ مِنْ كَلَامِ الْحَكِيمِ الْمُشْبِهَاتِ الَّتِي يُقَالُ مَا هَذِهِ، وَلَا يُثْنِيَك ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ يُرَاجِعُ، وَتَلْقَ الْحَقَّ إذَا سَمِعْته، فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا» اهـ

أهل البدع أضر من اليهود والنصارى والكفار الواضحين

} عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ» فَقَالَ ابْنُ الصَّامِتِ: فَلَقِيتُ رَافِعَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ أَخَا الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ قُلْتُ: مَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ كَذَا وَكَذَا، فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ». رواه مسلم (1067)

قال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية" (2 / 70): "وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ «هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ والْخَلِيقَة» الْخَلْقُ: النَّاسُ. والْخَلِيقَةُ: الْبَهَائِمُ. وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ويُريد بِهِمَا جميعَ الْخَلَائِقِ" اهـ

}وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنْهُ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ» . فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ الله يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: «مَنْ يُطِعِ الله إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي الله عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: " إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ " رواه البخاري (7432)، ومسلم (1064).

} وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: «كِلَابُ النَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قُلْتُ (أبو غالب) لِأَبِي أُمَامَةَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى عَدَّ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ".  رواه أحمد في «مسنده» (36/ 542 ط الرسالة)، والترمذي في "جامعه" (3000)، وهو صحيح، وقال الألباني "حسن صحيح".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (28/ 415): "فَهَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَةِ صِيَامِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَقِرَاءَتِهِمْ. أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ وَقَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مَعَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي قِتَالِهِمْ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالشَّامِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أُولَئِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ؛ فَإِنَّ مَعَهُمْ مَنْ يُوَافِقُ رَأْيُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ رَأْيَ الْخَوَارِجِ..." اهـ

} وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ: إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ ". رواه أبو داود (4691)، وحسنه الألباني رحمه الله.

قال البيهقي رحمه الله في «الاعتقاد» (ص236): «وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ. وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا سُمُّوا قَدَرِيَّةً؛ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْقَدَرَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَنَفَوْهُ عَنِ الله سبحانه وتعالى، وَنَفَوْا عَنْهُ خَلْقَ أَفْعَالِهِمْ وَأَثْبَتُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ فَصَارُوا بِإِضَافَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ مُضَاهِينَ لِلْمَجُوسِ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَأَنَّ الْخَيْرَ مِنْ فِعْلِ النُّورِ وَالشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ» اهـ

}وقال يحيى بن يعمر رحمه الله لابن عمر رضي الله عنهما: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: «فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي»، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ «لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ الله مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ». رواه مسلم (8).

} وقال الإمام أحمد رحمه الله: "ما أحد عَلَى أهل الإسلام أضر من الجهمية ما يريدون إلا إبطال القرآن وأحاديث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –" اهـ رواه أبو يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 47)

} وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ رحمه الله: «وَإِنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ".  رواه البخاري في "خلق أفعال العباد» (ص31)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (216)، والخلال في " السنة"(1685)، والآجري في "الشريعة" (579) وهو صحيح.

} وذكَرَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رحمه الله الْمُرْجِئَةَ فَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فقَالَ: " مَثَلُهُمْ مَثَلُ الصَّابِئِينَ إِنَّهُمْ أَتَوْا الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: الْيَهُودِيَّةُ، قَالُوا: فَمَا كِتَابُكُمْ؟ قَالُوا: التَّوْرَاةُ، قَالُوا: فَمَنْ نَبِيُّكُمْ؟ قَالُوا: مُوسَى، قَالُوا: فَمَاذَا لِمَنْ تَبِعَكُمْ؟ قَالُوا: الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَتَوْا النَّصَارَى فَقَالُوا: مَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا، النَّصْرَانِيَّةُ، قَالُوا: فَمَا كِتَابُكُمْ؟ قَالُوا: الْإِنْجِيلُ، قَالُوا: فَمَنْ نَبِيُّكُمْ؟ قَالُوا: عِيسَى، ثُمَّ قَالُوا فَمَاذَا لِمَنْ تَبِعَكُمْ؟ قَالُوا: الْجَنَّةَ قَالُوا فَنَحْنُ بِهِ نَدِينُ " اهـ رواه عبد الله في "السنة" (1/ 324)، والخلال في «السنة» (4/ 136) وهو صحيح.

} وقال يحيى بن عبيد رحمه الله: «لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَامَ فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: «إِمَّا أَنْ تَمْضِيَ، وَإِمَّا أَنْ أَمْضِيَ؛ فَإِنِّي إِنْ أَمْشِ مَعَ نَصْرَانِيٍّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ مَعَكَ» اهـ رواه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (ص: 59). وهو صحيح.

} وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: «لَأَنْ آكُلَ عِنْدَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آكُلُ عِنْدَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ فَإِنِّي إِذَا أَكَلْتُ عِنْدَهُمَا لَا يُقْتَدَى بِي وَإِذَا أَكَلْتُ عِنْدَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ اقْتَدَى بِي النَّاسُ أُحِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حِصْنٌ مِنْ حَدِيدٍ , وَعَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ عَمِلِ صَاحِبِ بِدْعَةٍ وَمَنْ جَلَسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ لَمْ يُعْطَ الْحِكْمَةَ وَمَنْ جَلَسَ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ فَاحْذَرْهُ , وَصَاحِبُ بِدْعَةٍ لَا تَأْمَنُهُ عَلَى دِينِكَ وَلَا تُشَاوَرْهُ فِي أَمْرِكَ وَلَا تَجْلِسْ إِلَيْهِ فَمَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ وَرَّثَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ الْعَمَى وَإِذَا عَلِمَ الله مِنْ رَجُلٍ أَنَّهُ مُبْغِضٌ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ رَجَوْتُ أَنْ يَغْفِرَ الله لَهُ  وَإِنْ قَلَّ عَمَلُهُ فَإِنِّي أَرْجُو لَهُ لِأَنَّ صَاحِبَ السُّنَّةِ يَعْرِضُ كُلَّ خَيْرٍ وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَا يَرْتَفِعُ لَهُ إِلَى الله عَمَلٍ , وَإِنْ كَثُرَ عَمَلُهُ». اهـ رواه ابو نعيم في «حلية الأولياء» (8/ 104) وهو حسن.

وقال القاضي عياض رحمه الله في ترجمة ‌‌جبلة بن حمود بن عبد الرحمن بن جبلة الصدفي في «ترتيب المدارك» (4/ 375): «‌‌ذكر شدته على أهل البدع ومجانبته إياهم وقوته في ذات الله تعالى:

كان رحمه الله تعالى، شديداً في ذلك. لا يداري فيه أحداً. ولم يكن أحد أكثر مجاهدة منه للروافض، وشيعهم. فنجّاه الله تعالى منهم. ولما دخل عبيد الله إفريقية، ونزل رقادة. ترك جبلة سكنى الرباط. ونزل القيروان. فكلم في ذلك. فقال: كنا نحرس عدواً بيننا وبينه البحر. والآن حلّ هذا العدو بساحتنا. وهو أشد علينا من ذلك. فكان إذا أصبح، وصلى الصبح، خرج الى طرف القيروان من ناحية رقادة، ومعه سيفه، وترسه، وقوسه، وسهامه، وجلس محاذياً لرقادة، نهاره. الى غروب الشمس. ثم يرجع الى داره. ويقول احرس عورات المسلمين منهم. فإذا رأيت منهم شيئاً، حركت المسلمين عليهم وكان ينكر على من خرج من القيروان الى سوسة، أو نحوها من الثغور. ويقول جهاد هؤلاء أفضل من جهاد أهل الشرك» اهـ

} وقال الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله في "الاقتصاد في الاعتقاد" (ص: 222): "واعلم ـ رحمك الله ـ أن الإسلام وأهله أتو من طوائف [ثلاث]، فطائفة ردت أحاديث الصفات وكذبوا رواتها، فهؤلاء أشد ضرراً على الإسلام وأهله من الكفار.

وأخرى قالوا بصحتها وقبولها، ثم تأولوها، فهؤلاء أعظم ضرراً من الطائفة الأولى.

والثالثة: جانبوا القولين الأولين، وأخذوا بزعمهم ـ ينزهون وهم يكذبون، فأداهم ذلك إلى القولين الأولين، [وكانوا أعظم ضرراً من الطائفتين الأولتين].

فمن السنة اللازمة السكوت عما لم يرد فيه نص [عن الله ورسوله]، أو يتفق المسلمون على إطلاقه، وترك التعرض له بنفي أو إثبات. فكما لا يثبت إلا بنص شرعي، كذلك لا ينفى إلا بدليل سمعي، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما يرضيه من القول والعمل والنية" اهـ

} وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  كما في "مجموع الفتاوى" (2/ 359): "فَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَأَمْثَالُهَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِ مَا بِهِ يُعْرَفُ مَعْنَاهَا وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَالْوَاجِبُ إنْكَارُهَا؛ فَإِنَّ إنْكَارَ هَذَا الْمُنْكَرِ السَّارِي فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى مِنْ إنْكَارِ دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِي لَا يَضِلُّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لَا سِيَّمَا وَأَقْوَالُ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أَقْوَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَفِرْعَوْنَ وَمَنْ عَرَفَ مَعْنَاهَا وَاعْتَقَدَهَا كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَمَرَ الله بِجِهَادِهِمْ.....

فَإِنَّ ضَرَرَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ السُّمُومِ الَّتِي يَأْكُلُونَهَا وَلَا يَعْرِفُونَ أَنَّهَا سُمُومٌ وَأَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ السُّرَّاقِ وَالْخَوَنَةِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ سُرَّاقٌ وَخَوَنَةٌ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ: غَايَةُ ضررهم مَوْتُ الْإِنْسَانِ أَوْ ذَهَابُ مَالِهِ وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ فِي دُنْيَاهُ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِرَحْمَتِهِ فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ: فَيَسْقُونَ النَّاسَ شَرَابَ الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ فِي آنِيَةِ أَنْبِيَاءِ الله وَأَوْلِيَائِهِ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ لله وَرَسُولِهِ وَيُظْهِرُونَ كَلَامَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي قَوَالِبِ أَلْفَاظِ أَوْلِيَاءِ الله الْمُحَقِّقِينَ فَيَدْخُلُ الرَّجُلُ مَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَصِيرَ مُؤْمِنًا وَلِيًّا لله فَيَصِيرُ مُنَافِقًا عَدُوًّا لله" اهـ.

} وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " منهاج السنة" (5/ 247): «وَمَا زَالَتْ سِيرَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا، مَا جَعَلُوهُمْ مُرْتَدِّينَ كَالَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه. هَذَا مَعَ أَمْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِقِتَالِهِمْ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُمْ " «شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوهُ» " فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو أُمَامَةَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. أَيْ أَنَّهُمْ شَرٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ شَرًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ: لَا الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى; فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِي قَتْلِ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يُوَافِقُهُمْ، مُسْتَحِلِّينَ لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ، مُكَفِّرِينَ لَهُمْ، وَكَانُوا مُتَدَيِّنِينَ بِذَلِكَ لِعَظْمِ جَهْلِهِمْ وَبِدْعَتِهِمُ الْمُضِلَّةِ» اهـ

  } وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع "الفتاوى" (18/ 53): " وَقَدْ أَمَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو ابْنُ الصَّلَاحِ بِانْتِزَاعِ مَدْرَسَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْآمِدِيَّ وَقَالَ: أَخْذُهَا مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ أَخْذِ عَكَّا. مَعَ أَنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ أَكْثَرَ تَبَحُّرًا فِي الْفُنُونِ الْكَلَامِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ مِنْهُ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِهِمْ إسْلَامًا وَأَمْثَلِهِمْ اعْتِقَادًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأُمُورَ الدَّقِيقَةَ - سَوَاءٌ كَانَتْ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا؛ إيمَانًا أَوْ كُفْرًا - لَا تُدْرَكُ إلَّا بِذَكَاءِ وَفِطْنَةٍ..." اهـ

قال الشيخ حامد الفقي: في (حاشيته نقص المنطق): (ص156): "أي: من الإفرنج أيام احتلالهم لبعض بلاد الشام ومصر في المائة السادسة" اهـ

} وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في "الصواعق المرسلة " (3/ 821): "ولكن الفرق بينهم وبين هؤلاء أن أولئك جاهروا بتكذيب الرسل ومعاداتهم وهؤلاء أقروا برسالاتهم وانتسبوا في الظاهر إليهم ثم نقضوا ما أقروا به وقالوا يجب تقديم عقولنا وآرائنا على ما جاءوا به فهم أعظم ضررا على الإسلام وأهله من أولئك لأنهم انتسبوا إليه وأخذوا في هدم قواعده وقلع أساسه وهم يتوهمون ويوهمون أنهم ينصرونه" اهـ

} وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في «الصواعق المرسلة» (1/ 116): "وأنت إذا تأملتَ تأويلات القرامطة والملاحدة والفلاسفة والرافضة والقدرية والجهمية، ومَن سلك سبيل هؤلاء من المقلِّدين لهم في الحُكم والدليل، ترى الإخبار بمضمونها عن الله ورسوله لا يقصر عن الإخبار عنه بالأحاديث الموضوعة المصنوعة، التي هي ممَّا عملته أيدي الوضَّاعين، وصاغته ألْسِنة الكذابين. فهؤلاء اختلقوا عليه ألفاظًا وضعوها، وهؤلاء اختلقوا في كلامه معانيَ ابتدعوها.

فيا محنة الكتاب والسُّنَّة بين الفريقين! ويا نازلة نزلت بالإسلام من الطائفتين؟ فهما عَدوانِ للإسلام كائدانِ، وعن الصراط المستقيم ناكبان، وعن قصد السبيل جائران.

فلو رأيتَ ما يصرف إليه المحرِّفون أحسن الكلام وأبينه وأفصحه وأحقه بكل هدًى وبيانٍ وعلم من المعاني الباطلة والتأويلات الفاسدة، لَكدتَ تقضي من ذلك عجبًا، وتتخذ في بطن الأرض سَرَبًا! فتارةً تعجب، وتارةً تغضب، وتارةً تبكي، وتارةً تضحك، وتارة تتوجع لِمَا نزل بالإسلام، وحلَّ بساحة الوحي ممَّن هم أضل مِن الأنعام.

ف‌‌كشفُ عورات هؤلاء وبيانُ فضائحهم وفساد قواعدهم من أفضل الجهاد في سبيل الله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رَسُولِهِ». وقال: «اهْجُهُمْ ـ أَوْ هَاجِهِمْ ـ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ». وقال: «اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ مَا دَامَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِكَ» اهـ

} وقال ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية" (1/ 256): "[فَصْلٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فِي الدَّوْلَةِ]

قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ الْبَلْخِيّ دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ، فَجَاءَهُ رَسُولُ الْخَلِيفَةِ يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ قَالَ: يُسْتَعَانُ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ قَالَ: إنَّ النَّصَارَى وَالْيَهُودَ لَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ دَاعِيَةٌ.

عَزَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى مَنَاقِبِ الْبَيْهَقِيّ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ يَعْنِي لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ: فَالنَّهْيُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِالدَّاعِيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْأُمَّةِ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ كَمَا ذَكَرَ.

وَفِي جَامِعِ الْخِلَالِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ أَصْحَابَ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، وَأَهْلُ الْبِدَع وَالْأَهْوَاءِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَعْظَمَ الضَّرَرِ عَلَى الدِّينِ وَالْمُسْلِمِينَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي مَنَاقِبِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَأَذِنَ فَجَاءَ أَرْبَعَةُ رُسُلِ الْمُتَوَكِّلَ يَسْأَلُونَهُ فَقَالُوا: الْجَهْمِيَّةُ يُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى أُمُورِ السُّلْطَانِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا أَوْلَى أَمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَلَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى أُمُورِ السُّلْطَانِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يُسَلَّطُونَ فِيهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَا يَكُونُوا تَحْتِ أَيْدِيهمْ، قَدْ اسْتَعَانَ بِهِمْ السَّلَفُ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرُّوذِيُّ أَيُسْتَعَانُ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُمَا مُشْرِكَانِ، وَلَا يُسْتَعَانُ بِالْجَهْمِيِّ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ يَغْتَرُّ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ وَأُولَئِكَ لَا يَغْتَرُّ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ." اهـ

} وقال الشاطبي رحمه الله في «الاعتصام» (1/ 157): «وَجَمِيعُ هَذِهِ الشَّوَاهِدِ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الِافْتِرَاقِ وَالْعَدَاوَةِ عِنْدَ وُقُوعِ الِابْتِدَاعِ.

وَأَوَّلُ شَاهِدٍ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ قِصَّةُ الْخَوَارِجِ، إِذْ عَادَوْا أَهْلَ الْإِسْلَامِ حَتَّى صَارُوا يَقْتُلُونَهُمْ وَيَدَعُونَ الْكُفَّارَ; كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ [الْحَدِيثُ] الصَّحِيحُ.

ثُمَّ يَلِيهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ صَوْلَةٌ مِنْهُمْ بِقُرْبِ الْمُلُوكِ; فَإِنَّهُمْ تَنَاوَلُوا أَهْلَ السُّنَّةِ بِكُلِّ نَكَالٍ وَعَذَابٍ وَقَتْلٍ أَيْضًا، حَسْبَمَا بَيَّنَهُ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَخْبَارِ.

ثُمَّ يَلِيهِمْ كُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يُثَبِّطُوا النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ، وَيَذُمُّونَهُمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمُ الْأَرْجَاسُ الْأَنْجَاسُ الْمُكِبِّينَ عَلَى الدُّنْيَا، وَيَضَعُونَ عَلَيْهِمْ شَوَاهِدَ الْآيَاتِ فِي ذَمِّ الدُّنْيَا وَذَمِّ الْمُكِبِّينَ عَلَيْهَا:

كَمَا يُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ: أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلَى شِرَاكِ نَعْلٍ; مَا أَجْزَتُ شَهَادَتَهُمْ ".

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ; قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ: كَيْفَ حَدَّثَ الْحَسَنُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ وَرَّثَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؟ فَقَالَ: " إِنَّ فِعْلَ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ سُنَّةً ".

وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ حَدَّثَ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ فِي السَّكْتَتَيْنِ؟ فَقَالَ: " مَا تَصْنَعُ بِسَمُرَةَ؟! قَبَّحَ الله سَمُرَةَ " اهـ.

بَلْ قَبَّحَ الله عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ» اهـ

} وقال ابن الجوزي رحمه الله في "الموضوعات" (1/ 51): "قَالَ أبو الوفاء عَليّ بن عقيل الْفَقِيه: قَالَ شَيخنَا أَبُو الْفضل الْهَمدَانِي: مبتدعة الْإِسْلَام والواضعون للأحاديث أَشد من الْمُلْحِدِينَ لِأَن الْمُلْحِدِينَ قصدُوا إِفْسَاد الدَّين من خَارج، وَهَؤُلَاء قصدُوا إفساده من دَاخل، فهم كَأَهل بلد سعوا فِي إِفْسَاد أَحْوَاله، والملحدون كالحاضرين من خَارج، فالدخلاء يفتحون الْحصن فَهُوَ شَرّ على الاسلام من غير الملابسين له" اهـ

 } وقال الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير"(1/ 179): "بَلِ اتِّبَاعُ أَهْوِيَةِ الْمُبْتَدِعَةِ تُشْبِهُ اتِّبَاعَ أَهْوِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا يُشْبِهُ الْمَاءُ الْمَاءَ، وَالْبَيْضَةُ الْبَيْضَةَ، وَالتَّمْرَةُ التَّمْرَةَ وَقَدْ تَكُونُ مَفْسَدَةُ اتِّبَاعِ أَهْوِيَةِ الْمُبْتَدِعَةِ أَشَدَّ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ مِنْ مَفْسَدَةِ اتِّبَاعِ أَهْوِيَةِ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَإِنَّ الْمُبْتَدِعَةَ يَنْتَمُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُظْهِرُونَ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ الدِّينَ وَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَهُمْ عَلَى العكس من ذلك الضدّ لِمَا هُنَالِكَ، فَلَا يَزَالُونَ يَنْقُلُونَ مَنْ يَمِيلُ إِلَى أَهَوِيَتِهِمْ مِنْ بِدْعَةٍ إِلَى بِدْعَةٍ وَيَدْفَعُونَهُ مِنْ شُنْعَةٍ إِلَى شُنْعَةٍ، حَتَّى يَسْلَخُوهُ مِنَ الدين ويخرجونه مِنْهُ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْهُ فِي الصَّمِيمِ، وَأَنَّ الصِّرَاطَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هَذَا إِنْ كَانَ فِي عِدَادِ الْمُقَصِّرِينَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْجَاهِلِينَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ الْمُمَيِّزِينَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ كَانَ فِي اتِّبَاعِهِ لِأَهْوِيَتِهِمْ مِمَّنْ أَضَلَّهُ الله عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى قَلْبِهِ، وَصَارَ نِقْمَةً عَلَى عِبَادِ الله وَمُصِيبَةً صَبَّهَا الله عَلَى الْمُقَصِّرِينَ، لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فِي عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ لَا يميل إلا إلى حق، وَلَا يَتَّبِعُ إِلَّا الصَّوَابَ، فَيَضِلُّونَ بِضَلَالِهِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ إِثْمُهُ وَإِثْمُ مَنِ اقْتَدَى بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، نَسْأَلُ الله اللُّطْفَ وَالسَّلَامَةَ وَالْهِدَايَةَ" اهـ

} وقال الإمام ابن باز رحمه الله: "ومعلوم أن العدو الذي يتظاهر بالإسلام أشد على المسلمين من العدو المعلن المنافق الذي يعلن إسلامه، وهو منافق، وهو ضد المسلمين بأعماله، ومكائده على المسلمين، أشد عليهم من الكفار المعلنين؛ ولهذا صار المنافقون أشد ضلالًا من الكفار المعلنين، وصاروا في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله، لماذا؟ لأنهم أظهروا الإسلام، وكذبوا في الباطن، وكادوا لهم في الباطن، وهكذا كل من كان له يشبههم من نصيرية، ومن رافضة، ومن غير ذلك، هم بهذه المثابة خطرهم على المسلمين أشد؛ لأنهم تظاهروا بالإسلام، وادعوا الإسلام، ولكنهم في الباطن يحاربون الإسلام، ويدعون إلى غيره، ويدعون إلى عقائد، ونحل غير ما جاء به الإسلام اهـ من (خطورة أهل البدع على الإسلام (binbaz.org.sa) )

} وقال شيخنا الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 298): "وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي كلّ منافق عليم اللّسان"، ويقول أيضًا: "إنّ أخوف ما أخاف عليكم الأئمّة المضلّون". فهؤلاء حذرنا منهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فتارة يمثله الله عز وجل بالكلب، تنفيرًا منفرًا، وأخرى يمثله بالحمار: {مثل الّذين حمّلوا التّوراة ثمّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا}.

ولا تظنوا أن هذا في أهل الكتاب فقط، بل إنه فيمن زاغ وانحرف من الأئمة المضلين الذين سئلوا قبل أمس عن الديمقراطية؟ فقالوا: هي كفر. وسئلوا عند أن نزلوا إلى اليمن في مجلة (المستقبل): أتوافق على الديمقراطية؟ قال: نعم، أوافق عليها أنا وعلماء اليمن.

فهل أنت علماء اليمن حتى تقول هذا، من أجل النصح للمسلمين وبيان تلبيس الملبسين وقد حصل الخير الكثير واتضحت الحقيقة وصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول: "من رغب عن سنّتي فليس منّي". فلا يكفي أن تضع يدك اليمنى على يدك اليسرى تحت اللحية.

وما رفع الله شأن أهل العلم إلا لأنّهم يقفون أمام الباطل ويقولون للمصيب: أنت مصيب، ولصاحب الباطل: أنت مبطل" اهـ

}وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله في تفسير «سورة الزخرف» (ص50): «نَعَمْ، لكِنَّ المُبتَدِعَ أشَدُّ؛ لأَنَّ المُبتَدِعَ -والعِيَاذُ بالله- يَضِلُّ بِهِ أنَاسٌ كثِيرُونَ، والشِّركُ لَا يَضرُّ إلا صَاحبَهُ، اللهمَّ إلا أَنْ يَكُونَ هَذَا المُشرِكُ لَهُ طَاعَةٌ عِنْدَ قَومِهِ، ويكُونَ سَيِّدًا فِي قَوْمِهِ يَتَّبِعُونَه، فهُوَ مِنْ جِنْسِ المُبتدِعِ، أمَّا إِذَا كَانَ عامِّيًّا فإِنَّه لَا يُؤثِّرُ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ؛ ولهَذَا قَال بَعْضُ العُلماءِ رحمهم الله: المُبتَدِعُ لَا تَوْبَةَ لَهُ؛ لأنَّهُ وإِنْ تَابَ بنَفْسِهِ لَا يَسْلَمُ مِنْ ضَلَالةِ الَّذِين اتَّبَعُوهُ»

أخير:

تبين مما تقدم من الأدلة وأقوال السلف ما عنونا له من أن أهل البدع والأهواء أضر على الإسلام والمسلمين من العصاة والحكام الظلمة، ومن بعضهم البعض، ومن الكافرين الواضحين، لأنهم يتكلمون ويلبسون لباس الدين والشريعة، والناس يغترون بهم، وبأفعالهم أكثر من غيرهم، ولو جاء عاص من العصاة، أو كافر من اليهود والنصاري وأمثالهم، وقال لك الغناء وحلق اللحية والربا حلال، لما صدقته، ورفضت كلامه جملة وتفصيلا، بخلاف ما لو جاءك متبدع عليه السمت والوقار، وقال لك الغناء حلال وحلق اللحية والربا، لقبلت منه، لأنك مغتر بشكله وكلامه وسمته، وأنه صاحب دين ويعرف الشريعة، وهنا يكمن أنه أضر من غيره على الإسلام والمسلمين، وهكذا لو جاء لك رجل بمنظر السلفي، وأباح لك ما يحذر منه أهل السنة السلفيون من الأفكار والقواعد والتأصيلات الخلفية البدعية لقبلت منه ورضيت، وهكذا يكون هذا الرجل أضر على السلفيين من الإخوان المسلمين والسروريين والقطبيين وأمثالهم وقس على هذا.

والحمد لله رب العالمين

كتبه أبو حمزة محمد بن حسن السِّوَرِي

تشويه البرامكة للدعوة السلفية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين؛ محمد وعلى آله، وأصحابه أجمعين.

وبعد:

فإن الله قد ابتلى الدعوة السلفية بأعداء كثر لا كثرهم الله، ينصبون لها العداء، ويفتعلون لها الفتن والمشاكل، ويفخخون طريقها بالعراقيل والكمائن، ويحذرون منها ومن علمائها ودعاتها وأهلها، ويسعون جاهدين في تنفير الأمة وأبعادها عن الدعوة الصحيحة، ويسلكون في ذلك جميع الوسائل، والسبل، والطرق السيئة الخبيثة في سبيل الوصول إلى غايتهم ومآربهم ومقاصدهم.

وأعداؤها أقسام:

منهم من هو من خارج ملة الإسلام، ومنهم من هو داخل في ملة الإسلام ولم يكن يوما ما مع السلفيين، ومنهم من كان مع أهل الحق أهل السنة السلفيين، وفي صفهم، ثم انعزل وانفصل وانحرف عنهم، وحاربهم، وحذر منهم، ونصب لهم العداء الشديد، والفتن الكبيرة، وعمل في السلفيين ما لم يعمله الأعداء الذين هم من خارج ملة الإسلام، أو من هو داخل في ملة الإسلام ولم يكن في صفهم يوما ما، أمثال السروريين وأصحاب الجمعيات، وأبي الحسن المصري، والمغراوي، وعرعور، والحدادية، والبرامكة بأنواعهم وأقسامهم.

ومن أواخر هؤلاء الأعداء البرامكة الذين ضررهم على الدعوة السلفية وأهلها أكثر من غيرهم، لأنهم يتظاهرون بأنهم على السلفية، وعلى سير علمائها ودعاتها، وعلى دعوة الإمام الوادعي وطريقته، وسيره، ومنهجه السلفي، وأنهم لم يغيروا ولم يبدلوا، وقد رأيت تعليقا لأحد البرامكة يقول فيه: الذين يدافعون عن الحجوري يشوهون الدعوة السلفية!!

فأحببت أن أبين للناس في هذه العجالة؛ من هو الذي على الدعوة السلفية وعلى دعوة الإمام الوادعي حقا وصدقا، ومن هو الذي شوه صفاء ونقاء، وسير، وتميز الدعوة السلفية، ومن هو الذي ضرره على الدعوة السلفية وعلى الإسلام والمسلمين أكثر من غيره.

فأقول مستعينا بالله:

البرامكة نسبة إلى عرفات البصيري العدني الذي تستر في البداية تحت اسم مستعار بـ(عبد الرحمن البرمكي)، والذي ظهر في بداية فتنتهم يرد على أهل السنة السلفيين، ويكتب فيهم منشورات، وردودا؛ ملأها بالكذب والتلفيقات والبهتان والتحريشات، وكان حزب العدني ومن إليه ممن ناصره ووقف معه، قد فرحوا بهذا الكاتب المجهول جدًا، وحثوا على قراءة منشوراته، وردوده، ونشرها، وتوزيعها، وبثها في كل مكان، وكانوا يرون أن هذا هو السبيل القوي؛ في التحذير من أهل السنة في دماج ومن كان معهم، وكانوا لا يعرفون من هذا المجهول تحت هذا الاسم المستعار الذي فرحوا به جدا؛ إلا عدد الأصابع منهم، وما هي إلا أيام، وفضحه الله على رؤوس الأشهاد، وإذا به عرفات البصيري العدني الكذاب الأشر، أحد رؤوس هذا الحزب، وأحد رواد الفتن، وبعد ذلك لصق هذا الاسم، وهذا اللقب بحزب العدني، وبكل من ناصره، وأيده، ووقف معه، وعادى أهل السنة في اليمن وغيرها.

وقد كانوا في البداية قسما واحدا متكاتفين، متعاضدين، متناصرين، يؤز بعضهم بعضا، ويشجع بعضهم بعضا، صفا ويدًا واحدة، ضد أهل السنة في اليمن وغير اليمن، ضد دار الحديث بدماج، وضد الشيخ العلامة يحيى بن علي الحجوري وطلابه وإخوانه أهل السنة في كل مكان.

ثم انقسموا بعد ذلك في كل بلد وكل قطر هم فيه، إلى أقسام، وفرق متناحرة، يحذر بعضهم من بعض، ويبدع بعضهم بعضا، ويصف بعضهم بعضا؛ بأبشع الأوصاف والألقاب، وقد كنت بينت ذلك في رسالة بعنوان [أقسام البرامكة في اليمن] وهي على هذا الرابط:

https://drive.google.com/file/d/1G1hpsUIvNX57tdK-YYw2yINt5JmyuYEp/view

وبعد هذه التقدمة القصيرة حول البرامكة، نأتي إلى المقصود إن شاء الله وبه نستعين:

 فأقول:

قد عرف المجتمع بفضل الله تعالى الدعوة السلفية في اليمن وغير اليمن؛ بالخير، وبالصفاء والنقاء، والسيرة الحسنة، والأفعال الجميلة، وبُعدها عن الفتن والفرقة والاختلاف، وعن الدنيا والمعاصي، وأصبحت محل ثقة الناس، والفضل في هذا لله تعالى وحده، الذي سخر وهيأ لها في اليمن من يقوم بها في هذا الزمان كالإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، وخليفته العلامة يحيى بن علي الحجوري وإخوانه وطلابه، فقاموا عليها أحسن قيام ورعوها رعاية طيبة مميزة، وحصل خير عظيم لا يعلمه إلا الله، وانتشر في أصقاع المعمورة.

وقد شوه البرامكة هذه الصورة الحسنة التي ارتسمت للدعوة السلفية عند السلفيين وغير السلفيين، بأفعالهم القبيحة، وتصرفاتهم السيئة، وبُعدهم الشاسع عنها وعن أهلها، كما عمل قبلهم من انحرف عن الدعوة السلفية، وساروا على منوالهم حذو القذة بالقذة.

 وهذه الأفعال التي سوف نذكرها عنهم بإذن الله تعالى، منها:

ما هي في البرامكة جميعًا.

ومنها ما هي في بعضهم دون بعض، لأنهم كما قلنا أصبحوا أقساما عدة، وطرائق متنافرة.

وإلى المقصود نشرع وبالله نستعين فأقول:

مخالفة دعوة الإمام الوادعي رحمه الله

مما استقر عند العلماء السلفيين جميعا، أن دعوة الإمام الوادعي رحمه الله؛ دعوة سلفية على منهاج النبوة، دعوة علمية صافية نقية، وأصبحت عند أهل العلم محل قبول واطمئنان ورضى، وأصبح العقلاء في المجتمعات، ينظرون إليها أنها دعوة طيبة نافعة مثمرة، بعيدة عن المعاصي والذنوب، والبدع والمحدثات، والفتن، والثورات، والانقلابات، وأن أهلها يريدون الله تعالى، والدار الآخرة، ولا يريدون الدنيا وشهواتها الفانية، ولا السياسات الغير شرعية، ولا المناصب والكراسي، ولا الرتب، والأبهات، وأن هذه الدعوة، تدعو إلى التوحيد والسنة، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر بضوابطه الشرعية، وتدعو  إلى محاسن الأخلاق، وإلى التعاون على البر والتقوى، وتحذر من الشرك والبدع والمحدثات، والمعاصي والسيئات، وكل ما يخالف الشريعة الإسلامية، وأصبح سير هذه الدعوة بفضل الله معلومًا، ومميزا، ظاهرا واضحا، يعرفه الجميع، الصديق، والعدو، والمحب والمبغض، وأصبح أهل السنة في اليمن مميزون عند الجميع بفضل الله تعالى بسيرهم ودعوتهم وعقيدتهم وأخلاقهم التي رباهم عليها العالم السلفي الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله.

وهذه الدعوة المباركة قد انفصل عنها، وخالف سيرها الكثير والكثير ممن كان فيها، وانحرف عنها؛ بسبب شهوة أو شبهة، فتحزبوا وخربوا وفتنوا، وذهبوا يمينا وشمالا، هذا بعد دنيا، وهذا بعد فكر، وهذا بعد بدع وانحرافات وقواعد وتأصيلات، وهذا بعد سياسات فارغة، ومناصب ورتب، وهذه سنة الله في خلقه.

فهؤلاء المنحرفون الذين كانوا مع السلفيين، شوهوا الدعوة السلفية التي عرفها الناس، بأفعالهم وتصرفاتهم السيئة، لأنهم مازالوا يدّعون أنهم على طريقة ومنهج وسير دعوة الإمام الوادعي رحمه الله، وهي منهم براء.

ومن هؤلاء المنحرفين البرامكة بجميع أقسامهم في اليمن، فهم يشوهون دعوة الإمام الوادعي رحمه الله، وسيأتي بإذن الله في ذكر التشويهات، ما يزيد في بيان ذلك.

ونحن لا ندعي العصمة للشيخ مقبل الوادعي رحمه الله، فهو كسائر علماء السنة، يصيب ويخطئ، ويعلم ويجهل، ولكن منهجه وطريقته سلفية على الجادة، وجدد معالم الدعوة السلفية في اليمن، وقد شهد بذلك علماء السنة، وكلنا يذكر عندما جاء العلامة النجمي رحمه الله إلى دماج، قال من على كرسي الإمام الوادعي رحمه الله: (وضعتم على الطريق فسيروا).

دفاعهم عن الرافضة الحوثيين

لقد علم الجميع الجهود العظيمة الجبارة، التي بذلتها الدعوة السلفية في اليمن، وعلى رأسها جهود الإمام الوادعي رحمه الله، التي استمرت عقودا من الزمن في التحذير من الرافضة، ومن فكرهم وعقائدهم وبدعهم وخرفاتهم السيئة الخبيثة، فقد مكث الإمام الوادعي ومن بعده طلابه عمرًا طويلا في بيان باطل وشر فرق الرافضة، والتحذير منهم، وكُتبت الكتب، وخرجت المؤلفات والأشرطة في ذلك، واستقر عند الناس باطل الرافضة وفتنتهم وشرهم وبدعهم وخرفاتهم، ولم يكن يُتوقع أن يأتي أحدٌ من السلفيين، يُدافع عن الرافضة أو يواليهم، أو يعادي السلفيين من أجلهم، ويستميت في ذلك؛ أو يدعو لهم ويثني عليهم، أو يحضر احتفالاتهم، أو يصلي على قتلاهم، حتى ظهر قسم من البرامكة؛ وهم مشايخ الإبانة -وعلى رأسهم محمد الإمام- وأتباعهم ومناصريهم؛ الذين فاجئوا السلفيين في كل مكان، والمجتمع، بدفاعهم  المستميت عن الرافضة الحوثيين، وأنهم مسلمون معصومو الدم والمال، لهم مالهم، وما عليهم ما عليهم، وعقدوا ووقعوا معهم الوثيقة الرافضية الخبيثة الماكرة، وترجموا وأثنوا  في خطب الجمعة على بعض علماء الرافضة، وجعلوهم من أئمة الإسلام،  فشوهوا جهود الدعوة السلفية في اليمن لعقود من الزمن، وإمامهم في زمنه مقبل الوادعي رحمه الله، تلك الجهود العظيمة في التحذير من الرافضة وأفكارهم وعقائدهم، وخالفوا سير الدعوة السلفية في ذلك، أليس هذا من أعظم التشويه للسلفيين وللدعوة السلفية على ممر الزمن؟!، ولو قرءوا بحق كتاب "صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال" لشيخنا مقبل الوادعي رحمه الله لعلموا حقيقة الكارثة التي وقعوا فيها، وأيضا لو راجعوا بصدق ما كتبوه هم عن إجرام الرافضة وفكرهم، لعلموا مدى ما وقعوا فيه من التشويه العظيم، والحور بعد الكور.

خذيلة أهل السنة في جهاد الرافضة

لقد اعتدى الرافضة الحوثيون على أهل السنة في دار الحديث بدماج، في جريمة يندى لها الجبين، وحاصروهم، وقتلوهم، وضربوهم بجميع أنواع السلاح، وأقوموا حربا شعواء خبيثة، فتداعى السلفيون وغيرهم من كل مكان هذا بنفسه، وهذا بماله ودعمه، وهذا بمناصرته وفتواه وتحريضه لجهاد الرافضة، ونصرة أهل السنة في اليمن، والناس متعاطفون متألمون حزينون لما يحصل لأهل السنة في اليمن.

فتفاجأ السلفيون والمجتمع بمواقف سيئة جدا للبرامكة قسم مشايخ الإبانة، الذين في هذا الوقت الذي تُسفك دماء أهل السنة، ويحاصرون، ويشرد بهم، إذ بالبرامكة تخرج لهم فتاوى في عدم قتال الرافضة، وأنهم مسلمون، ومعصومو الدم والمال، وسخرية عجيبة بالمجاهدين في كتاف بأنهم شواعة (عرس)، وكان من جاءهم يستنصح لهم في الذهاب للجهاد، والدفاع عن إخوانهم السلفيين، ثبطوه ونصحوه بعدم الذهاب، وأن هذا قتال فتنة، وأن الرافضة مسلمون.

مواقف سيئة جدًا شوهوا بها السلفية والسلفيين، وجعلت السلفيين والعقلاء في كل مكان، يتعجبون من هذه الخذيلة العجيبة، ومن هذا الانحطاط والتردي والانهزام الفضيع.

السخرية والتشفي بأهل السنة بما حصل لهم من التهجير

هجر الرافضة الحوثيون أهل السنة من دماج وهم يبكون حزينون، متألمون جدا، في نكبة لا يعلم بشدتها وقساوتها إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يدرون إلى أين يتجهون، وأين ينزلون، والصالحون في كل مكان يشاطرون أهل السنة الأحزان والآلام والشدة، ويقفون إلى جانبهم ويواسون أهل السنة في مصابهم الجلل، ففتحوا لهم بيوتهم، ومساجدهم، وأووهم، وبذلوا لهم الغالي والنفيس، في سبيل التهوين عليهم في مصابهم الجلل، ووالله إنها مواقف عظيمة ستذكرها الأجيال جيلا بعد جيل.

بينما البرامكة شمتوا بأهل السنة، وسخروا منهم، وقد علم الجميع كلامهم في ذلك كقولهم: ما أصاب أهل دماج إنما هو بسبب ظلمهم وكلامهم في أهل السنة، وأن هذا عقوبة من الله تعالى، وأن الحجوري يقول هذه نعمة، في موقف شوه البرامكة جدا، وأظهر للناس مدى بعدهم عن النخوة والرجولة ونصرة المظلوم، ومدى الحقد الدفين الكبير، الذي ملئ قلوبهم، وشدة الفجور في الخصوم.

السيطرة على مكتبة وأدوات دار الحديث بدماج

إن مكتبة وأدوات وجميع أوقاف دار الحديث بدماج؛ من أعظم ما ورثه الإمام الوادعي رحمه الله لأهل السنة في اليمن وفي العالم، وهي أوقاف لله تعالى، وقد سعى الشيخ يحيى وطلابه إلى إخراجها سالمة بعد الحصار، من أجل أن يستفيد منها طلاب العلم، في المكان الذي سوف يستقر فيه الشيخ يحيى وطلابه، بعد أن هُجروا من دار الحديث بدماج، وبعد أن وصلت إلى صنعاء؛ تآمر عليها البرامكة، ممثلة بمشايخ الإبانة، بعد أن سلمها لهم أحمد الوصابي -بعد أن وثق الشيخ يحيى فيه، وسلم له المكتبة وجميع أدوات دار الحديث بدماج- بعد أن قال للشيخ يحيى، أن عنده مكانا جاهزًا لها في صنعاء، والشيخ يحيى مشغول جدًا بما هو أعظم؛ بتوفير وتهيئة المكان لطلابه وإخوانه المهجرين الذين لم يتيسر لهم المكان بعد، فسيطروا عليها، ورفضوا أن يعيدوها إلى الشيخ يحيى بعد أن طالب بها، وحرموا منها الدعوة السلفية، ومازالت إلى وقت كتابة هذا الكلام تحت سيطرتهم، فعطلوا وقفًا عظيمًا للإمام الوادعي رحمه الله، وحرموا جميع طلاب العلم في اليمن منها، وهذا من أعظم التشويه والغلول الذي قام به البرامكة، أن استولوا على ما هو لطلاب العلم، وعطلوا الوقف، وحرموا الواقف لها؛ من الأجور العظيمة، وقد تعجب السلفيون كيف يحق لمن يدعي السلفية، يتجرأ أن يقوم بهذا العمل المشين، وهذا الغلول والنهب، ويستغل انشغال أهل السنة بما هو أهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» (4/ 262): "الْعَاشِرَةُ- وَمِنَ الْغُلُولِ حَبْسُ الْكُتُبِ عَنْ أَصْحَابِهَا، وَيَدْخُلُ غَيْرُهَا فِي مَعْنَاهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِيَّاكَ وَغُلُولَ الْكُتُبِ. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا غُلُولُ الْكُتُبِ؟ قَالَ: حَبْسُهَا عَنْ أَصْحَابِهَا. وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ" أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ رَغْبَةً أَوْ رَهْبَةً أَوْ مُدَاهَنَةً. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ وَسَبِّ آلِهَتِهِمْ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَطْوِيَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ الله هَذِهِ الْآيَةَ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. وَمَا بَدَأْنَا بِهِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ" اهـ

السيطرة على مساجد أهل السنة.

وهذا من الإجرام العظيم الذي عمله البرامكة، بجميع أقسامهم في اليمن، من أول فتنتهم إلى يومنا هذا، أن سعوا جاهدين إلى السيطرة على مساجد أهل السنة، وإخراج الدعاة وطلاب العلم السلفيين منها، وحرموا أهلها من الخير الذي كان فيها، بعد أن كانت منارات للسنة والعلم والتعليم والتصفية والتربية، فأصبحوا عبارة عن محتلين، ونهابين، وغاصبين للمساجد، فشوهوا الدعوة السلفية بهذه الأفعال السيئة، وتعجب السلفيون كيف يتجرأ من يدعي السلفية أن يسيطر على المساجد، وهو يقرأ يقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114].

استقطاب الدعاة والمشايخ وطلاب العلم

لقد سعى البرامكة من أول يوم قاموا فيه بفتنتهم إلى استقطاب المشايخ، والدعاة، وطلاب العلم، وإبعادهم عن أهل السنة، وعن مراكز أهل السنة، وتعلمون كيف قاموا في بداية فتنتهم بالتسجيل في دار الحديث بدماج للأراضي في الفيوش، وكيف توالت الأساليب، وتنوعت بعد ذلك في إخراج المشايخ، والدعاة، وطلاب العلم من دار الحديث بدماج وغيرها من المراكز، والتحذير الشديد من الرحلة إلى دماج، ومن مراكز أهل السنة، وهذا من التشويه الكبير، كيف يُقدم من يدعي السلفية أن يحذر من دار الإمام الوادعي  رحمه الله التي كانت منارا للسنة في اليمن، ويرحل إليها السلفيون من أنحاء المعمورة.

فحرموهم من العلم والتعليم عند أهل السنة، وكانوا سببا في ضياعهم، وتشتتهم وانحرافهم بعد الشهوات والشبهات، بعد أن كانوا في غاية من المثابرة على الخير والحرص عليه.

وأيضا استغلوا تهجير أهل السنة من دماج لاستقطاب طلاب العلم، واستغلوا حاجتهم وشدتهم وعدم توفر المسكن والمال، فكان هذا مفيدًا جدا للبرامكة للسيطرة على بعض طلاب العلم.

التحريش بين أهل السنة في كل مكان

لقد سعى البرامكة من أول فتنتهم بالتحريش بين أهل السنة؛ دعاة ومشايخ وطلاب علم، وأوغروا صدور بعضهم على بعض، وزرعوا الشحناء والبغضاء في صفوف السلفيين في كل مكان، حتى شحنوا قلوب بعضهم على بعض، فرأينا كيف سعوا جاهدين عند بعض المشايخ حتى قلبوهم على إخوانهم، بعد أن كانوا بالأمس يثني بعضهم على بعض، ويحث بعضهم على بعض، فانقلبت المحبة إلى عداوة، والثناء إلى ذم، والتعاون إلى تنافر، وكل هذا بسبب تحريش البرامكة؛ الذين لم يدخروا جهدًا في تنفيذ ذلك، فشوهوا بأفعالهم القذرة جمال الدعوة السلفية والأخوة والمحبة والتراحم.

الكذب والافتراء والتزوير وقلب الحقائق

لقد قامت فتنة البرامكة من أول مهدها على هذه الصفات السيئة، وأصبح شغلهم الشاغل؛ الكذب على أهل السنة، والافتراء، وتزوير وقلب الحقائق، وجعل الحق باطلًا، والباطل حقا، وأنشئوا مواقع لهذه الأفعال الإجرامية، وفاقوا من قبلهم ممن تحزب وانحرف عن أهل السنة، وكتبوا الكتابات، والمقالات السيئة جدًا، وأتوا بتهم على أهل السنة لا تخطر على البال، لم يتجرأ عليها من قبلهم، وجعلوا العقلاء في حيرة شديدة؛ كيف سلفي وهو يقوم بالكذب والافتراء والتزوير وتلفيق التهم على الصالحين والدعاة والمشايخ السلفيين، وهذه الأفعال لا يتجرأ عليه كثير من عوام المسلمين ضد الصالحين، فكيف بمن يدعي السلفية، فشوهوا السلفية بهذه الأفعال الرديئة.

الفرقة والانقسام والتشرذم والصراعات

لقد كان البرامكة في بداية فتنتهم يدا واحدة كما سلف ضد أهل السنة متكاتفين، متعاونين، يحث بعضهم بعضا، وينصر بعضهم بعضا، وما هي إلا أيام، وجعل الله بأسهم بينهم، وعاقبهم بسوء أعمالهم وأفعالهم، وأصبحوا في كل بلد فرقا وأقساما متناحرين، متباغضين، متنافرين، يسب بعضهم بعضا، ويحذر بعضهم من بعض، ويبدع بعضهم بعضا، وأصبحوا سخرية في كل دولة بسبب أفعالهم، وشوهوا الدعوة السلفية وصورتها في المجتمعات، وأصبح همهم الوحيد؛ كيف ينال بعضهم من بعض، وكيف يأخذ بعضهم مساجد بعض وطلابهم، واشتغلوا في بعضهم البعض بالكذب والافتراء والتزوير وقلب الحقائق تماما كما عملوه سابقا مع أهل السنة، وصرفوا عن التحذير من أهل الباطل والفتن والأحزاب إلى التحذير من بعضهم البعض.

إدخال المعاصي إلى الدعوة السلفية

لقد سعى البرامكة من أول يوم بإدخال المعاصي على الدعوة السلفية، وبوقاحة شديدة، وقد تقدم الكذب والافتراء والتزوير وقلب الحقائق، وقد تفننوا فيه جدًا، وأيضا مما أدخلوه على الدعوة السلفية بعد أن كانوا ينكرونه التصوير وكاميرات المراقبة، وبث الدروس والمحاضرات عبر البث المباشر وغيره، وأصبحوا يظهرون بصورهم، وصور طلابهم في فيديوهات وغيرها في المحاضرات والدروس، وأصبحوا يدافعون عنها بحجة أجازها فلان وفلان، وكانوا بالأمس يردون على الإخوان المسلمين والسروريين والقطبيين والحسنيين وغيرهم الذين كانوا يستدلون بما يستدلون به اليوم، وأصبح السلفيون في كل مكان يتعجبون من هذه الأفعال كيف يفعلون ما كانوا يحرمونه بالأمس وينكرونه على غيرهم.

وقد رأينا أن غالب من انحرف عن أهل السنة وانصرف عنهم، يثيرون  بعد انحرافهم مثل هذه المسائل؛ مسألة التصوير، والقنوات الفضائية، ويتصورون، ويظهرون على القنوات، والشاشات، ويستدلون ويردون على أهل السنة بما كان قبلهم يستدلون به، كما عمله قبلهم أصحاب الجمعيات وأبو الحسن المصري وغيرهم، والآن البرامكة يسيرون بسيرهم، ويقتفون شبههم، وأقوالهم في الجدال عنها، والآن لهم قناة تلفزيونية، بدأوا يُروجون، ويبشرون بها، ويدافعون عنها، ويجمعون الفتاوى في جوازها؛ كما عمله قبلهم من انحرف عن الدعوة السلفية حذو القذة بالقذة، وخالفوا سير الدعوة السلفية في البعد التام عن هذه القنوات التي ضررها أكثر من نفعها، وقد أنكر الإمام الوادعي رحمه الله من قبل هذا السير، وهذه الأفعال السيئة، وأنها معصية كبيرة، وألف كتابا في حرمة التصوير، فراجعوه أيها البرامكة العمي.

الشحاذة والتسول

لقد سعى البرامكة جدا في هذا الباب، وفاقوا أصحاب الجمعيات، ودخلوا هذا الباب بقوة، وعملوا كشوفات بأسماء مساجدهم ودعاتهم، وعملوا أيضا حسابات بنكية، وطالبوا أهل الخير بالتبرع، وجمع الأموال عبر تلك الحسابات بنكية وغيرها، ومعلوم أن أصحاب الجمعيات دخلوا هذا الباب بحجة الأيتام والأرامل والمشاريع الخيرية، وجعلوا كفالة الدعاة أحد الأعمال، أما أنتم فقد فقتم من تقدم، وجعلتم هذه الشحاذة والتسول فقط لكم ومساجدكم وطلابكم ودعاتكم وتوسيع مساجدكم، فشوهتم أنفسكم، ودعوتكم بهذه الكبيرة، وهذه المعصية العظيمة، وخالفتم أيضا طريقة الإمام الوادعي رحمه الله في دعوته النزيهة العفيفة، وراجعوا كتاب ذم المسألة، لتعرفوا أين موقعكم الحقيقي من دعوة الإمام الوادعي رحمه الله.

قال الإمام الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 354): فأقول: أف لعلم عاقبته الشحاذة؛ من أجل هذا سقطوا، وجمعية الإصلاح أردى وأردى في التلصص حتى لا يظن بعض الناس أننا ساكتون عن جمعية الإصلاح، ولنا رسالة بحمد الله بعنوان "ذم المسألة"، لما رأيناهم يركضون وليس لهم همّ إلا جمع الأموال، وبعد ذلك يحاربون بها سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وإخواننا الذين اجتمعوا معهم في معبر مغفلون، فهل نسوا أننا قد اجتمعنا معهم في دماج وكتبنا معهم ورقة وخرج شريط بعنوان "تمام المنة في اجتماع أهل السنة"؟ وهل نسوا عند أن أتى إليّ (عقيل) وأنا في تعز وقال: يا أبا عبد الرحمن أنا لا أخالفك. ثم مشى معي في بقية الرحلة، ثم قام وقال: أنا قد خرجت من جمعية الحكمة اهـ.

وقال الإمام الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 77): "فالحق أنّهم شوهوا الدعوة، وأقبح من هذا أن الإخوان المسلمين، وأصحاب جمعية الحكمة، يرجعون ويحاربون بهذه الأموال إخوانهم أهل السنة، ويمسخون شباب أهل السنة، فتجد الشاب ما شاء الله، يرجى أن ينفع الله به الإسلام والمسلمين، لكنه ضعيف العزيمة، وليس عنده ثبات، فيقولون له: تعال عندنا، ونحن نعطيك عشرين ألف ريال يمني.

فترجع هذه الأموال في محاربة دعوة أهل السنة، التي نفع الله بها، والتي شهد لها المسلمون والعلماء بحمد الله بالنجاح، والفضل في هذا لله سبحانه وتعالى، ولسنا نتكلم في الإخوان المسلمين لأنّهم يحلقون لحاهم، ففي الشعب اليمني من هو شر منهم، ولا لأنّهم يلبسون البنطلون، ففي الشعب اليمني من هو شر منهم، لكن نتكلم فيهم لأنّهم يلبّسون على الناس باسم الإسلام، ويحاربون دعوة إخوانهم أهل السنة، وكذلك دعوة أصحاب جمعية الحكمة أصبحت تتعاون مع الإخوان المسلمين على أذية شباب أهل السنة، والله عز وجل يقول: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.

والذي يساعدهم بالأموال، يساعدهم على محاربة أهل السنة. وأقول لعقيل: أين محاربتك للقبوريين والصوفية، على أن عقيلاً والحق يقال أحسن من محمد المهدي، وأحسن من كثير من أصحاب جمعية الحكمة، ولكن هو من النفر الذين مسخوا بسبب الدنيا، فقد كان وهو عندنا رجلاً زاهدًا، ثم فتنوه بالمال والسيارات والدنيا، وأنا لا أقول: إن كل أهل السنة قد أصبحوا كذلك، فالحمد لله الكثير الكثير، لو أكلوا ترابًا ما استجابوا لدعوة أولئك، والله عز وجل يقول: {فأعرض عن من تولّى عن ذكرنا ولم يرد إلاّ الحياة الدّنيا ذلك مبلغهم من العلم}.

ويقول سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا} اهـ.

وأيضا: لا أستبعد أن يظهر للبرامكة جمعية، ونسمع منهم الدفاع عنها، وجمع الشبهات، والرد على أهل السنة الذين يحذرون منها، فليس ببعيد عنهم فعل لذلك، فمن تحزب خرب.

البعد عن التصفية والتربية والتميز

لقد قامت هذه الدعوة المباركة على التميز والصفاء والنقاء والتربية الحسنة، وما عرفت هذه الدعوة كما قال شيخنا الوادعي رحمه الله إلا بالتميز، وقد خالف البرامكة هذا الأمر المهم، وهذا السير الحسن الذي قامت به وعليه الدعوة السلفية، فأصبحت تربيتهم حزبية على الولاء والبراء الضيق، فمن كان معهم نصروه وأثنوا عليه، ورفعوا من منزلته، ووصفوه بأرفع الأوصاف والألقاب، ومن خالفهم ذموه ونبذوه وشوهوه، وهضموا منزلته، وأصبح في صفوفهم من هب ودب، ففي صفوفهم الإخواني والحسني والجمعي وغيرهم، بل في صفوفهم من يثني ويدافع عن الرافضة، ويمجدهم ويحضر لهم ويدعو لهم كما سبق ذكره، فشوهوا التربية السلفية، وصفاء الدعوة ونقاءها وتميزها، وأصبحوا يمشون على قاعدة (نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)

التقارب مع أهل الأهواء

لقد بذلت الدعوة السلفية جهودًا عظيمة في التحذير من أهل الأهواء والبدع، والتنفير عنهم، بينما شوه البرامكة هذه الجهود العظيمة، وسعوا بقوة للتقارب مع أهل الأهواء من رافضة وإخوان وسروريين وأصحاب الجمعيات والحسنيين وغيرهم، فنسمع ونرى ونشاهد الثناءات المتبادلة بين بعض البرامكة وبين من تقدم، وتزكيات وما إلى ذلك، فشوهوا جمال الدعوة السلفية وصورتها الحسنة الجميلة.

ولا تنسوا ما قاله محمد المهدي عنكم مؤخرا وزيارته لكم، فهو شاهد واحد فقط لما نقوله هنا، والشواهد كثيرة.

السكوت عن الباطل وأهله

لقد عرفت الدعوة السلفية بحمد الله بقول الحق والصدع به، وعدم السكوت عن الباطل وأهله، وهذه مما ميز الله به هذه الدعوة المباركة النافع، وقد خالف البرامكة هذا السير الحسن، فأصبحوا يرون الباطل والمنكرات الكبيرة كالشمس ويسكتون ويداهنون ويجامل بعضهم بعضا، في ظاهرة سيئة لم تعرف في الدعوة السلفية، وإنما هي عند أهل البدع والأهواء الذين سبقوهم، والآن أنتم ترون عندما نشب الخلاف بينهم والصراعات والانقسامات، أصبح كل قسم منهم يذكر الباطل  والمؤاخذات التي عند القسم الآخر منهم، والتي كان أهل السنة قد ذكروها من قبل عنهم، وأدنوهم بها بالحجج والبراهين، وكان كل طرف ساكت عن باطل الطرف الآخر، فشوهوا أنفسهم جدًا، بأنهم كانوا يجاملون بعضهم بعض، ويسكت بعضهم عن بعض نكاية بأهل السنة، فرجع مكرهم عليهم ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

وأيضا يسكتون عن أهل الباطل، وعن الباطل المنتشر في المجتمعات، فتراهم ساكتين عن الإخوان المسلمين والسروريين والقطبيين والحسنيين والبعثيين والاشتراكيين وجميع الأحزاب والصوفية والتبليغ والأفكار الهدامة، ولا ترى لهم جهودا في بيان باطلهم وشرهم وفتنتهم إلا ما ندر، فلا جهود لهم ملموسة ظاهرة في الرد على الباطل المنتشر في المجتمعات كانتشار النار في الهشيم، وشغلهم الشاغل الحجوري وأهل السنة فلا يكلون ولا يملون من الكلام في أهل السنة وتنفير الناس عنهم.

تقرير قواعد وتأصيلات أهل البدع

مما ميز الله به هذه الدعوة المباركة نبذ ورفض وإنكار قواعد وتأصيلات أهل الأهواء والبدع، والرد عليها وتبيينها، وقد شوه البرامكة هذا السير الحسن، وأدخلوا على الدعوة السلفية قواعد وتأصيلات وتقريرات أهل الأهواء والبدع من الإخوان المسلمين والقطبيين والسروريين والحسنيين والمغراويين والعرعوريين وغيرهم، وجادلوا عنها بشدة، وصوروا للسلفيين وللمجتمع؛ أنها هي المنهج الحق، والوسطية والاعتدال، وأن غيرها هو الغلو والتميع، وجمعوها في كتب، ومقالات، وكتابات، ومواقع، وشبكات، وليس عنكم ببعيد كتاب "الإبانة" لمحمد الإمام، ومقالات وصوتيات محمد بن عبد الوهاب الوصابي، وعبيد، ودكاترتهم، وفركوس، وشبكة الوحيين، وسحاب وغيرهم، عقودا وأهل السنة يحذرون منها، وهؤلاء يعيدونها بوقاحة على أهل السنة بثوب السلفية، والوسطية والاعتدال.

السعي واللهث وراء الدنيا

لقد قامت فتنة البرامكة من أول يوم من أجل الدنيا، ولعلكم تذكرون تسجيل وبيع الأراضي في الفيوش، ذاك المسلك الذي افتعلوه في دماج وغيرها، وكتلوا وجمعوا بسببه بعض ضعفاء النفوس الذين همهم الدنيا، وباعوا الأراضي لمن هب ودب، وها أنتم اليوم ترون النتيجة التي وصلوا إليها، وهي تأسيس جامعة دنيوية، تحوي وتقبل من هب ودب، وشهادات وعلوم ومناهج دنيوية، وجمع أموال وحسابات بنكية كما تقدم.

وأيضا سعي بعضهم وراء الوزارات، والمناصب، والرتب العسكرية، كما عمل هاني بن بريك، ومن تأثر به منهم، وحاولوا السيطرة على بعض المناصب في الأوقاف، وأصبحوا وراء الدنيا، وانسلخوا من السلفية والزهد إلى الدنيا وشهواتها وأطماعها، بعد أن كانوا مقبلين على الخير والنفع والزهد وهمهم الدين والدعوة.

وأذكركم بكلام الإمام الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 78): "وقد ساءت النيات بسبب الدنيا، فقد كان يأتيني أصحاب إب ويقولون لي: يا أبا عبد الرحمن قل للأستاذ محمد المهدي يجلس لنا في المسجد، يعلمنا العلم. وقد كنت أحسن به الظن، وهم كذلك يحسنون به الظن، فقلت له فأبى، وما عرفنا أنه جوال لجمع الدنانير والأموال، فلا تسمع به إلا في دولة قطر، وأخرى في السعودية، ومرة في أمريكا، وأنا أتحداه أن يأتي بطالب واحد من طلبته مستفيد يستطيع أن يكون مرجعًا، والتجار عليهم أن يتقوا الله، وأن يعرفوا أين يضعون زكوات أموالهم، هلا قرءوا قوله تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السّبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم}.

ثم يأتي عقيل ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين)). ويأتي محمد المهدي ويقول: {وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله}.

وانظروا إلى المجلة الشحّاذة (مجلة الفرقان) هل تجدون عددًا ليس فيه شحاذة. فأنصح أهل السنة أن يقوموا بواجبهم نحو الدعوة، لوجه الله عز وجل، نحن لسنا ندعو الناس إلى اتباعنا فلسنا أهلاً لأن نتبع، بل ندعو الناس إلى أن نتبع نحن وهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ولسنا ندعو الناس إلى أخذ أموالهم، ولو ذهبت إلى أي بلد من البلاد الإسلامية فلن ترى سنيًّا يقوم ويعظ الناس حتى يبكيهم، ثم بعد ذلك يفرش عمامته عند الباب" اهـ.

وقال شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 77): "فالحق أنّهم شوهوا الدعوة، وأقبح من هذا أن الإخوان المسلمين وأصحاب جمعية الحكمة يرجعون ويحاربون بهذه الأموال إخوانهم أهل السنة، ويمسخون شباب أهل السنة، فتجد الشاب ما شاء الله يرجى أن ينفع الله به الإسلام والمسلمين، لكنه ضعيف العزيمة، وليس عنده ثبات، فيقولون له: تعال عندنا ونحن نعطيك عشرين ألف ريال يمني.

فترجع هذه الأموال في محاربة دعوة أهل السنة، التي نفع الله بها، والتي شهد لها المسلمون والعلماء بحمد الله بالنجاح، والفضل في هذا لله سبحانه وتعالى" اهـ

وقال الإمام الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 172): "وأنا أقول: إنه من الخطأ أن تسلم الأموال لجمعية إحياء التراث لأنّهم يستغلونها لتفرقة كلمة أهل السنة ففرّق بين أهل السنة في جدة وفي السودان.

وعندنا في اليمن مجموعة من الغثاء غرهم بديناره لا بأفكاره، ونبشر الشباب السلفي الكويتي أن جمعية إحياء التراث تنفق الأموال الباهظة على هؤلاء الممسوخين في اليمن ومع هذا فدعوتهم ميتة ليس لها أثر. فعندنا فضائح في اليمن، فعبد القادر الشيباني ومحمد بن عبد الجليل جاء الكويتيون وسلموهم الأموال ثم أصبحا يتهاتران عليها ويتناتران، وقد زارني أخ اسمه محمد، كان مهيّئًا لتحرير مجلة "الفرقان" الكويتية فقال: ما قد لطمنا في بلدة مثل ما لطمنا في اليمن؛ فهم يأكلون من الحزب حتى تنتهي أمواله ثم ينتقلون إلى حزب آخر حتى يفقروه وهكذا، فهؤلاء الذين عندنا سيأكلون جمعية إحياء التراث حتى ينهوا ما معها، ثم ينتقلون إلى حزب آخر اهـ.

عدم الاهتمام بالعلم والتعليم والدعوة

لقد قامت الدعوة السلفية على هذه الركائز المهمة العلم والتعليم والدعوة، ومعلوم جهود أهل السنة في ذلك مشهورة معلومة، بينما البرامكة شوهوا الدعوة، وشُغلوا عن ذلك كما تقدم، وأصبحت مساجدهم شبه خاوية، أو مساجد فيها الغثائية والمتردية والنطيحة.

فلا ثمرة ولا نتيجة سليمة تخرج من مساجدهم، ولا ترى من تخرج من تحت أيديهم، أصبح مرجعا لإخوانه في بلده ومجتمعه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

وأصبحت دعوتهم التكتيل، وتجميع الناس حول أنفسهم، ويقبلون من هب ودب، المهم عندهم: لا يكون حجوريا زعموا.

وأصبحت غالب دروسهم عبر البث المباشر هنا وهناك؛ لضعف وقلة من يحضر بين يديهم، ونفور الناس عنهم، وضعف الدروس التي يلقونها، وأيضا بسبب الانقسامات والصراعات الشديدة بينهم، وأيضا بسبب عدم التصفية والتربية أصبحت دروسهم ومساجدهم خليط ولفيف لأصحاب الحزبيات والأفكار الخلفية.

وأصبح الكثير منهم لا يخرج للدعوة، لعلمه أنه لن يحضر له كما كان يحضر له من قبل، لأن الناس قد نفروا عنهم، وعرفوا حقيقة دعوتهم وفتنتهم.

وسلوا مشايخ الإبانة وغيرهم من البرامكة: هاتوا وسموا لنا من تخرج على أيديكم خلال هذه الفتنة من الدعاة والمشايخ والعلماء.

وأين المؤلفات العلمية في شتى الفنون التي تخرج من مراكزكم ومساجدكم، خلال هذا العقد من زمن الذي فُتنتم فيه، وانحرفتم عن الدعوة السلفية، وأين الحفاظ والمحققون والباحثون سموهم لنا وللناس.

لقد أصبحت دعوتكم حالها كحال غيرها من الدعوات المنحرفة عن السلفية، مثل أصحاب الجمعيات وأبي الحسن والسروريين والحدادية، لا علم ولا حلم ولا ثمرة ولا نتيجة علمية نافعة للأمة الإسلامية، ضاعوا وأصبحوا كأمس الدابر.

وأذكركم بقول الإمام الوادعي رحمه الله: "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب (ص: 202): "وأتحدى عبد الرحمن عبد الخالق أن يأتي بطالب واحد من طلبته قد أصبح مرجعًا، فإن قال: عندي عبد الرزاق الشايجي، قلنا: هو سفيه من السفهاء يدعو إلى الديمقراطية، ويحارب أهل السنة.

وهذا أمر لمسه بعض الإخوان عند أن كنا في المدينة قال: إن الإخوة الكويتيين لا يعرفون إلا عبد الرحمن عبد الخالق، وقال عبد الرحمن عبد الخالق، وفعل عبد الرحمن عبد الخالق. وعبد الله السبت عند أن أتى إلى اليمن وقلت له: لم لا تجعلون لكم معهدًا علميًا ودعوتكم لها زمن طويل ولم تنتج طالب علم! فقال: قد أحسسنا بهذا الضعف وقد أصبحنا ندفع طلابنا إلى الجامعات السعودية. وهذا كلام صحيح.

فالحزبيون غير موفقين في دعوتهم بل يعتبرون نكبة على الدعوات، هذا وقد احترق عبد الرحمن عبد الخالق بحمد الله واحترق عملاؤه في اليمن بحمد الله، واحترق محمد سرور الذي كان صاحبنا قبل قضية الخليج وأصبح هو وحفنة من أتباعه يحاربون العلماء، وينفرون عن العلماء، فتارة يطعن هو وأتباعه في الشيخ الألباني وأخرى في الشيخ ابن باز، وأنّهما لا يفهمان الواقع. وأما عند التحيل من أجل التزكيات ومن أجل المال فيأتون إلى الشيخ ابن باز ويقولون: فعلنا وفعلنا، وأنا أنصح التجار نصيحة لله أن يتولوا هم توزيع أموالهم لئلا يعينوا على ضرب الدعوة الإسلامية اهـ.

 وقال الإمام الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 287): "وآسف أيضًا أن تبقى دعوة زيادةً على ثلاثين سنة مثل دعوة عبد الرحمن عبد الخالق في الكويت ولا تخرج طالب علم يستطيع أن يكون مرجعًا في بلده، لكنها تخرج دعاة فرقة، فأفّ لك ياعبد الرزاق الشايجي و"لخطوطك العريضة"، أفّ لك أيها الكذاب، فأشهد لله بأنك كذاب، وأنك ترمي السلفيين بما ليس عندهم" اهـ.

تغيير طريقة أخذ العلم الشرعي

لقد عرفت الدعوة السلفية في اليمن باهتمامها البالغ بالمساجد، وتدريس طلاب العلم فيها، وحثهم على الجلوس فيها لأخذ العلم، وعدم أخذ العلم الشرعي من أجل الشهادات والجوائز، وعدم الاغترار بالجامعات والكليات فإن ثمرتها قليلة جدًا، وربما تكون سببا للضياع، وإهمال العلم الشرعي، وعدم التمكن فيها، كما سعت الدعوة السلفية إلى الاهتمام الشديد بتدريس كتب السنة، وعدم الاقتصار على مذهب من المذاهب، وعدم التمذهب في أخذ العلم على مذهب معين، وعدم إدخال المعاصي في طرق التعليم.

وقد سعى البرامكة من بداية فتنتهم إلى تشويه هذا السير الحسن والمميز عند أهل السنة في اليمن، وتعرفون كيف أدى التسجيل وتوزيع الأراضي في الفيوش إلى فتنة عظيمة، ولم تعهد الدعوة السلفية أن المراكز أسست بتلك الطريقة التكتيلية الفوضوية التي أدت إلى ما لا يحمد عقباه مما قد وقع ورآه الجميع.

كما أنهم أخرجوا طلاب العلم من المساجد على جامعة أسسوها بعد أن كانوا سببا في ضياع الكثير، وتحذيرهم من مراكز السنة في اليمن، وأصبحت هذه الجامعة فيها من هب ودب، وأيضا تدرس علوما لم يكن أهل السنة همهم تعليم الناس إياها من رياضيات ونحوها.

كما أنهم مسارعون إلى التصوير وبث الدروس عبر البث المباشر، ويريدون تأسيس قناة تلفزيونية لهم كما سبق.

كما أنهم سعوا جاهدين إلى تدريس بعض المذاهب كمذهب الشافعية والتركيز عليه، وتدريس بعض كتبها التي طالما حذر أهل السنة من تدريسها كمتن أبي شجاع وغيره، وكم حذر شيخنا مقبل رحمه الله من هذه الطريقة في التعليم، وربط الناس بمذهب معين والتتلمذ عليه، وقبله الأئمة:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «إعلام الموقعين» (4/ 202): «وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا قَطُّ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ رَجُلٍ مِنْ الْأُمَّةِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا وَيَدْعُ أَقْوَالَ غَيْرِهِ.

وَهَذِهِ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ حَدَثَتْ فِي الْأُمَّةِ، لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ أَعْلَى رُتْبَةً وَأَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْلَمُ بِالله وَرَسُولِهِ مِنْ أَنْ يُلْزِمُوا النَّاسَ بِذَلِكَ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ عَالِمٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.

فَيَالله الْعَجَبُ، مَاتَتْ مَذَاهِبُ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَمَذَاهِبُ التَّابِعِينَ وَتَابِعَيْهِمْ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَبَطَلَتْ جُمْلَةٌ إلَّا مَذَاهِبَ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ فَقَطْ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَهَلْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ دَعَا إلَيْهِ أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ كَلَامِهِ عَلَيْهِ؟ وَاَلَّذِي أَوْجَبَهُ الله - تَعَالَى وَرَسُولُهُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَخْتَلِفُ الْوَاجِبُ وَلَا يَتَبَدَّلُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّتُهُ أَوْ قَدْرُهُ بِاخْتِلَافِ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْحَالِ فَذَلِكَ أَيْضًا تَابِعٌ لِمَا أَوْجَبَهُ الله وَرَسُولُهُ، وَمَنْ صَحَّحَ لِلْعَامِّيِّ مَذْهَبًا قَالَ: هُوَ قَدْ اعْتَقَدَ أَنْ هَذَا الْمَذْهَبَ الَّذِي انْتَسَبَ إلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ لَوْ صَحَّ لَلَزِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ اسْتِفْتَاءِ أَهْلِ غَيْرِ الْمَذْهَبِ الَّذِي انْتَسَبَ إلَيْهِ، وَتَحْرِيمُ تَمَذْهُبِهِ بِمَذْهَبِ نَظِيرِ إمَامِهِ أَوْ أَرْجَحَ مِنْهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِي يَدُلُّ فَسَادُهَا عَلَى فَسَادِ مَلْزُومَاتِهَا، بَلْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا رَأَى نَصَّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَوْ قَوْلَ خُلَفَائِهِ الْأَرْبَعَةَ مَعَ غَيْرِ إمَامِهِ أَنْ يَتْرُكَ النَّصَّ وَأَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَيُقَدِّمَ عَلَيْهَا قَوْلَ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ.

وَعَلَى هَذَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَتَقَيَّدَ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِحَدِيثِ أَهْلِ بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ، بَلْ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ حِجَازِيًّا كَانَ أَوْ عِرَاقِيًّا أَوْ شَامِيًّا أَوْ مِصْرِيًّا أَوْ يَمَنِيًّا» اهـ

وقال الإمام الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 120): "ينبغي أن يعلم أن عبد العزيز القاري حنفي، ثم أين الدليل على أنه يجب عليه أن يتمذهب، بل أين الدليل على التمذهب، فذاك يكون شافعيًا، وذا حنبليًا، وذاك يكون مالكيًا، وذاك حنفيًا، يقول الله سبحانه وتعالى: {إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء}.

والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون عن الدليل..... وهذه المذاهب أوردت العداوة بين المجتمع... واقرأ "السيرة" لابن كثير تجد خصامًا بين الحنابلة والحنفية وبين الشافعية والمالكية ورب شخص يطرد من بلده لأنه أبى أن يتمسك إلا بالدليل.... وإنني أحمد الله فقد كنت أكتب على السبورة: أتحدى من يأتي بدليل على أننا ملزمون باتباع مذهب معين، فلا يستطيع أحد أن يأتي بدليل، ونحن في الجامعة الإسلامية" اهـ.

وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: "المسلم ليس ملزما باتّباع مذهب معيّن ، بل اتّباع مذهب معيّن يعتبر بدعة ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:3] ، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النّساء:59] ، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : { َمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} [الشورى:10] ، وإنّي أحمد الله فقد أصبح الشّباب لا يلتفت إلّا إلى الكتاب والسّنّة ، ونحمد الله سبحانه وتعالى إذ تيسّر لنا الجوّ ، فقد مضى زمن لا يستطيع أحد أن يقول إنّه ليس متمسّكا بمذهب ، وهذه المذاهب أثارت الفتن والبغضاء بين المسلمين إذا قرأت في (البداية والنّهاية) تجد الخصومات بين الحنابلة والشّافعيّة ، بين الحنابلة والحنفيّة ، بين الشّافعيّة والحنفيّة إلى غير ذلكم من الخصومات ، والقتل والقتال الذي حصل بسبب التّمذهب .......ثمّ بعد ذلك أنا أخبركم أنّ النّاس الآن ليسوا بشافعيّة ولا حنابلة إلّا النّادر النّادر. جاء رجل يستفتي أبا الشمس إمام الحرم وهو حالق اللّحية فجاء يستفتيه فقال له: يا مولانا أنا شافعي أريد تفتيني، قال: لا ما أنت شافعي. قال: يا مولانا أنا شافعي، ويقسم له بالله أنّه شافعي ويقول له: لا ما أنت شافعي، ثمّ بعد ذلك قال: الشافعي ما كان يحلق لحيته وأنت تحلق لحيت.... أمّا التقليد يا إخوان فقد جرّ للنّاس بلاء كبيرا كيف ذاك؟ ترك النّاس الصحابة ثمّ أخذوا بأقوال الأئمّة الأربعة، وبعد ذلك أخذوا بأقوال أتباع الأئمّة الاربعة، ثمّ بعد ذلك أخذوا بأقوال أتباع الأتباع الأتباع

فمثلا عندنا نحن أنفسنا (متن الأزهار) للإمام المهدي لعلّه من أهل القرن السادس أو نحو ذلك أو من القرن السابع، ثمّ بعد ذلك عند الحنابلة (زاد المستقنع) متى ألّف؟ ما الّف الإمام أحمد (زاد المستقنع)، وهكذا عند الشافعيّة (أبو شجاع).. ولا ينبغي أن يفهم أحد أنّنا نحرّم القراءة في كتب الفقهاء، نحن نقول إنّ كتب الفقهاء تشترى وتبقى بالدرج إذا احتاج شخص مراجعة مسألة أمر مهمّ فلا بأس أن ينظر ماذا قالوا فيها، ويستعين بالله سبحانه وتعالى ثمّ بأفهامهم، نحن لسنا نقول أيضا إنّنا رجال وهم رجال، نحن نقول أيضا وإن كنّا رجالا وهم رجال لكن الفرق بيننا وبين الشّافعي وبيننا وبين أحمد بن حنبل وبيننا وبين مالك كما بين السّماء والأرض، فينبغي أن نعرف قدرنا.

لكن أنا أقول ليس هناك آية قرآنيّة يا أيّها الذين آمنوا كونوا حنايلة، يا أيّها الذين آمنوا كونوا شافعيّة، يا أيّها الذين آمنوا كونوا مالكيّة. ولست أقول أيضا كما قال القائل وهو عبد الله بن محمد بن اسماعيل الهروي:

أنا حنبليّ ما حييت وإن أمت********فوصّتي للنّاس أن يتحنبلوا
          أنا أوصي النّاس بكتاب الله وبسنّة رسول الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم -، ولا كما قال محمد بن إبراهيم البوشنجي إذ يقول :

ومن شعب الإيمان حب ابن شافع *****وفرض أكيد حبه لا تطوع
         أنا شافعي ما حييت وإن أمت ***** فتوصيتي للناس أن يتشفعوا
           ما نقول هذا أيضا، ولا نقول: لولا مالك لكان الدين هالك

نقول الله حافظ لدينه، نحن نقول أيضا أنّ أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى والإمام الشافعي والإمام مالك وغيره من الأئمة ليسوا أركان من أركان الدين يعني هم أئمّة يقتدى بهم، وخصوصا الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك جزاهم الله عن الإسلام خيرا، ولا نستغني عن كتبهم لكن ما نقلّد ما نقلّد.." اهـ من شريط: (أسئلة وأجوبة 2 ).

وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: "والطفل إذا بدأ بالعقيدة تقول له: أين الله؟ قال: في السماء، ما دليلك على هذا؟ قال: {الرحمن على العرش استوى}، {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}، {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}.

وأيضاً: ما رأيك في الحروز والعزائم التي تتعلق؟ فيذكر ما يستحضره من الأدلة، لكن يدرس <متن الأزهار> وهو يقول: يا هادياه، ويا الخمسة، ويا ابن علوان، ويدرس <متن أبي شجاع> وهو يقول: يا ابن العجيل، ويا الحداد ……………

الحمد لله الذي حفظ الدين، فلو أقبل الناس على هذه المتون لضاع الدين، وقد جرَّت الناس من سيئ إلى أسوأ، فقد كان الناس مقلدين للأئمة الأربعة -والتقليد حران لأن الله يقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} - ثم قلدوا أتباع الأئمة الأربعة، ثم قلدوا أتباع أتباع الأئمة الأربعة، ثم قلدوا مختصرات وضعت لهم، ثم قلدوا الإفرنج، فينتقلون من سيء إلى أسوأ، وهذا هو الشر المستطير الذي دخل علينا بسبب أن العلماء ما ربطوا قلوب الناس بكتاب الله ولا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

والأئمة الأربعة لم يدعونا إلى تقليدهم، ولم يأذنوا لنا أن نقلدهم، مكتوب هذا عنهم". اهـ من كتاب: (غارة الأشرطة 1 / 162 163)

https://www.muqbel.net/fatwa.php?fatwa_id=4257

وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله جوابا عن سؤال: بقيت الفقرة الثانية، ما هو فقه السلف الصالح وكتب الفقه السلفي؟

الشيخ: ما هو فقه السلف الصالح؟، "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين"، أي يعلمه < زاد المستقنع > ؟، أو يعلمه <متن الأزهار> من كتب الشيعة؟، أو يعلمه < متن أبي شجاع > من كتب الشافعية؟، أو يعلمه كذا وكذا، لا، "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" في فهم نصوص الكتاب والسنة، والرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: "ورب حامل فقه ليس بفقيه"، ويقول أيضاً الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" اهـ من شريط : ( القول النقي في معنى سلفي )

https://www.muqbel.net/fatwa.php?fatwa_id=4593

تنبيه: قد يدرس بعض علماء السنة بعض كتب المذاهب اجتهادا منهم؛ لا لتقرير المذهبية، والتمذهب، وأن طلاب العلم لا بد أن يتمذهب على مذهب معين في طلبه للعلم، لا، ولكن يدرسها من أجل تبيين الخطأ فيها والصواب، وأن المؤلف خالف الصواب في تقريرات كذا وكذا، ووافق فيها الصواب في كذا وكذا، ويردون على أصحاب المذهب المقلدين والمتعصبين لصاحب الكتاب، بخلاف تدرس أهل الأهواء لها، وبخلاف هؤلاء المشار إليهم الذين كانوا يدرسون كتب السنة، وكانوا غافلين عن هذه الكتاب تماما، وربما حذروا من تدريسها، فلما تركوا أهل السنة؛ أقبلوا على مثل هذه الكتب، ليظهروا أمام أصحاب المذاهب، أنهم منفتحون، فاتضح الفرق، وذكرني حالهم هذا حال بعض أتباع أبي الحسن لما انحرفوا رأيت مجموعة منهم في صنعاء، كانوا يذهبون يدرسون بعض كتب الزيدية في صنعاء من لغة وفرائض وغيرها، بل بعضهم أعرفه ذهب يدرس عند الصوفية في حضرموت بعض كتب الشافعية وما شابه ذلك.

محاربة منهج الجرح والتعديل

لقد بذلت الدعوة السلفية وعلماؤها في هذا الزمان وعلى رأسهم الإمام الوادعي رحمه الله، جهودًا عظيمة في بيان منهج الجرح والتعديل، ومشروعيته بالأدلة من الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، وبينوا أهميته، وأنه من الجهاد الشرعي، وبه يعرف الحق وأهله، ويحذر من الباطل وحزبه.

وقد سعى البرامكة كما سعى من قبلهم من أهل البدع في تشويه هذا المنهج السلفي، وتنفير الناس عنه، وحاولوا جاهدين، في التحذير من ردود أهل الحق على أهل الباطل، ووصفها بأنها غيبة ونميمة، وطعن في الأعراض ونيل من العلماء والدعاة زعموا، وأتوا بالقواعد البدعية والتأصيلات والتقريرات الخلفية؛ لهدم وتشويه هذا المنهج السلفي، الذي يعتبر من أهم ركائز الدعوة السلفية، وأثنوا وعدلوا أهل الباطل ممن تحزب معهم، بل وصل بهم الحال إلى الثناء على الفرق الأخرى من رافضة وغيرهم، وذموا وجرحوا السلفيين أهل الحق الذين عارضوهم، وبينوا باطلهم وفتنتهم وشرهم.

قال شيخنا الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 277): "فالدين النصيحة، وأئمة أهل السنة قد أجمعوا على جواز الجرح والتعديل، فموتوا أيها المفلسون، والسروريون، ويا أصحاب الجمعيات، موتوا بغيظكم، وبحمد الله فأشرطة الجرح والتعديل قد وصلت إلى أمريكا وأنتم تعلمون ذلك ووصلت إلى أقصى بلاد الله.

فأنصح الإخوة أن يكونوا على حذر حتى يعرفوا عقيدته وأنه من أهل السنة" اهـ.

وقال شيخنا الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 293): "فينبغي تبيين أحوال أهل البدع، وأنا آسف من بعض علماءنا أن يكون طلبته لفيفًا فهذا من جمعية الحكمة، وهذا إخواني، وهذا كذا، وقد كان بعض العلماء المتقدمين يقول: أحرّج على كل بدعي في مجلسي هذا أن يقوم عنه اهـ.

وقال شيخنا الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" (ص: 466): "وهذا من باب الجرح والتعديل ليس من باب الغيبة كما يعتقد البعض وقد بينه الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم تبت يدا أبي لهب وتب، والآيات في هذا كثيره وقد نوه عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم عندما دخل عليه رجل فقال: ((بئس أخو العشيرة... إلى آخر الحديث))، وقد قال في هذا الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الكلام في أهل البدع أفضل من الجهاد في سبيل الله وعليه أهل السنة والجماعة. هذا ونسأل الله التوفيق ويجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم" اهـ.

وصف أهل السنة بأبشع الأوصاف والألقاب

أصبح هذا هو شغل البرامكة الشاغل من أول فتنتهم إلى الآن، فوصفوا أهل السنة بأبشع الأوصاف والألقاب، واتهموهم بأبشع التهم، فشبهوهم بالخوارج والصوفية والمعتزلة والأشاعرة والمرجئة، وأنهم أشر من الحدادية، وأن فيهم شبها من الرافضة، وأنهم نشروا الكراهية في العالم، وعندهم تقديس للأشخاص، ولم يكتف بعضهم بتبديع أهل السنة، بل وصل الحال إلى رمي بعض أهل السنة بالزندقة، وأنهم يطعنون في الصحابة، ويطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم، وكما سبق أنهم طعنوا في أهل السنة بما لم يتجرأ عليه من قبلهم من أهل البدع والأهواء.

سكوتهم عن الطاعنين في الإمام الوادعي ودعوته.

إن الإمام الوادعي رحمه الله له حقوق على طلابه، فهو بمنزلة الأب لهم، فقد تعب في تربيتهم وصبر على تعليمهم، وتبصيرهم بالمنهج السلفي، فله حقوق على طلابه، ومن ذلك الدفاع عنه وعن دعوته، والرد على من يطعن فيه ويشوهه، ويشويه دعوته وطلابه والخير الذي أقامه، والدعوة العظيمة التي بثها في ربوع البلاد اليمنية وغيرها.

وبحمد الله فإن طلابه الأخيار الأبرار، يقومون دائما بهذا الواجب بأحسن قيام، وما قام من مبطل يحاول أن ينال من الشيخ مقبل رحمه الله، أومن دعوته وطلابه، إلا وتصدوا له، ويردون على من يثير الشبهات، والأكاذيب والتهم عليه، أو على طلابه ودعوته، وهذا من تمام البر بالشيخ رحمه الله، ومن الواجب الذي في أعناق أهل السنة تجاه شيخهم، ومن رد المعروف.

وفي فتنة البرامكة قام الحاقدون والحاسدون بالطعن في الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله وفي طلابه ودعوته فكان السلفيون يتوقعون من البرامكة الذين للشيخ مقبل رحمه الله، فضل عليهم، وواجب وحقوق؛ أن يقوموا بالدفاع والذب عنه ومناصرته.

فتفاجأ الجميع أن البرامكة يجالسون ويزورون ويثنون على من حذر من الشيخ مقبل رحمه الله، ووصفه بأنه وطلابه على فكر الخوارج، فدافعوا عن هذا الطاعن وأثنوا عليه، والتمسوا له الأعذار، بل زاروه وشربوا معه حليب الإبل، وتحاكموا إليه في حل خلافاتهم، وتغاضوا عن كل ما طعن به في الإمام الوادعي رحمه الله.

وهكذا أثنوا وناصروا من حذر من دار الحديث بدماج، وأفتى بوجوب الرحلة منها، ووصف دماج بأنها حدادية، ووصف أهل السنة بأبشع الأوصاف.

وأيضا نرى ونسمع من يطعن في الإمام الوادعي رحمه الله ودعوته من أهل الفرق والطوائف والأحزاب، ولا نرى البرامكة يحركون ساكنا، وكأن الأمر لا يعنيهم، وهذا بسبب أنهم خالفوا منهج الإمام الوادعي رحمه الله، وأصبحوا غير راضين عن دعوته وسيره ومنهجه.

أخيرا:

تبين مما تقدم خطورة البرامكة على الدعوة السلفية، وتشويههم لها ولجمالها وصفائها ونقائها، وأنها شغلهم الشاغل، وأنهم كارثة ومعول هدم، وأنهم أضر على الدعوة السلفية من غيرهم، وأنهم أفسدوا في الدعوة السلفية، وعملوا فيها بما لم يعمله غيرهم فيها، وبهذا نثبت للجميع أن من يقف معهم وخلفهم يشوه الدعوة السلفية بشدة، ويعين على الشر والفتنة والخلاف، والفرقة وشتات وضياع وتمزيق أهلها، وإيغار الصدور، والشحناء، والبغضاء، وإضعاف الدعوة، ووهنها وإبعادها عن مسارها الصحيح.

ونكون بهذا قد بينا بفضل الله وحمده شيئا يسيرا من تشويه البرامكة للدعوة السلفية، وبعدهم عنها، وعن مسارها الصحيح؛ الذي تركه لنا شيخنا الإمام مقبل الوادعي مجدد الدعوة السلفية في زمنه في اليمن.

والحمد لله رب العالمين

كتبه

أبو حمزة محمد بن حسن السِّوَرِي

    كان الانتهاء منه عصر يوم السبت 8 من شهر رجب 1445هجرية

حمل الرسالة من هنا




نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى