الثلاثاء

[المختصر المفيد في قضية الوثائق مع الحوثي في الحرب في دماج الصمود]

 

المختصر المفيد

 

 

في قضية الوثائق مع الحوثي

 

 

في الحرب في دماج الصمود

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].

وبعد:

فكلما نشر أهل السنة الإنكار على وثيقة التعايش والإخاء التي وقعها محمد الإمام -هداه الله وأصلحه- مع الرافضة الحوثيين، قام المتعصبة من البرامكة بالصراخ والأنيين من ذلك جدًا، وقاموا بالكذب والتلبيس على المساكين الذين لا يعرفون الحقائق: بأن الحجوري عنده وثائق وقعها مع الرافضة الحوثيين، حاله كحال محمد الإمام!، وأن الشيخ مقبل رحمه الله وقع وثيقة مع الشيعة، شأنه كشأن محمد الإمام!، وقد تواصل بي الكثير ممن يريد الرد على ذلك، مع أن بعض إخواننا قد كتب في ذلك، وأقول لمزيد البيان والتوضيح:

أولا: العلامة الحجوري حفظه الله جاءته الكثير والكثير من الوثائق، والاتفاقيات، التي كان يعرضها الحوثة منذ أن سقطت صعدة بأيديهم في (21ربيع الأخر 1432هـ- 24/03/2011) إلى قبل خروجنا وتهجيرنا من دماج (ربيع الأول 1435-15 يناير/2014) تقريبا.

وكانوا يرسلونها تارة عبر أناس منهم، وتارة عبر مشايخ قبائل، وتارة عبر وساطات ولجان الصلح الكثيرة، وتارة عبر اللجنة الرئاسية المكلفة من رئيس البلاد السابق عبد ربه منصور هادي وفقه الله، والشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله يرفض الكثير منها كما صرح بذلك، ويرى أن فيها أخطاء فضيعة، وتمكينا للحوثة من رقاب السلفيين، وإذلالًا لأهل السنة، وإهانتهم، وإعلان الولاء للحوثة، وأن يكون أهل السنة تحت رحمة الحوثيين، ويعلنون لهم السمع والطاعة.

ثانيا: ما تم توقيعه من وثائق واتفاقيات؛ كانت أثناء الحصار والحرب، سواء  الحصار والحرب الأولى، أو الحصار والحرب الأخيرة في دماج، وكان هذا التوقيع، والدبابات تضرب، وراجمات الكاتيوشا تقصف، والهاونات تتساقط بجميع أحجامها، وجميع أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والصغيرة تضرب ليلا ونهارا على دماج، والشهداء -فيما نحسبهم- يتساقطون، والجرحى في السكنات الأرضية تتعفن جراحاتهم ويتألمون جدًا، ولا غذاء، ولا دواء، ولا كهرباء، ومكائن الماء تُضرب، والحوثيون يمنعون دخول أي دبة ماء، أو حبة رز، أو دقيق، أو أي شيء من المواد الغذائية، وأيضا الدواء، ويمنعون خروج الجرحى وإسعافهم إلى المستشفيات، والطلاب مرابطون ليلا ونهارا في المتارس، والخنادق، والوديان، والجبال، واشتباكات متواصلة دامية فتاكة، وقنص متواصل لا يفرقون بين رجل ولا امرأة، ولا صغير ولا كبير، الكل عندهم سواء يُضرب، حتى المقابر -التي جُعلت بين البيوت بسبب القصف- ما سلمت من قصفهم وضربهم، ولا حتى بيوت الله، ولا حتى المصاحف مزقتها قذائفهم لعنهم الله.

وتأتي الوساطات والوجهاء ومشائخ القبائل، وكل واحد يترجى ويلح بشدة ويضع الوعود للشيخ يحيى على أن يوقع على وثيقة كذا وكذا، من أجل أن تنتهي الحرب ويغادر الحوثي، ويُرفع الحصار، ويخرج الجرحى للعلاج الذين تعفنت جراحاتهم في السكنات الأرضية، ويُسمح بدخول الغذاء والدواء الذي قد جاء به المتبرعون ومنع الحوثة من دخوله حتى يوقع الحجوري ويلتزم بما يريدونه.

فاضطر الشيخ يحيى وأكره على توقيع بعض الوثائق التي يرى أنها أخف ضررًا من غيرها، ويرد الأخرى الكثيرة التي يرى أنها أكبر ضررًا وشرًا، وأن الحوثي سوف يستغلها أكثر على أهل السنة.

وقد قال الشيخ يحيى حفظه الله في سياق الرد على وثيقة محمد الإمام: "والله إنها كانت تأتي إلينا دون منها (أي وثيقة محمد الإمام) عن طريق الوجمان(صالح)، وعن طريق فلان، أولئك الفرغ منهم، ويريدونها؛ فأقول هذا خطأ، وهذا خطأ، وهذه ما أنا موقع عليها أبدًا، ولا أرضى أن أوقع على شيء، هذا ما يسعني أن أوقع عليه، احذفوا هذه الكلمة ونحن نوقع.. من أجل ذلك ثاروا علينا... اهـ. من (هل ينطبق على محمد الريمي صاحب معبر أَنَّه مكره على الوثيقة) على هذا الرابط:

 https://sh-yahia.net/show_sound_13001.html

والشيخ يحيى حفظه الله وقع على البعض لما أن رأى شدة الحال جدًا، الذي يمر به طلابه وإخوانه أهل دماج الأبطال رجالا ونساء وأطفالا، ويرى ويسمع الوعود التي يجعلها الوسطاء ومشايخ القبائل واللجنة الرئاسية وغيرهم، وشدة الإلحاح عليه حتى أن بعض الوسطاء قص شيئا من لحيته ورماها بين يدي الشيخ رجاء أن يوقع، والشيخ يقول لعل وعسى أن هذا التوقيع يكون سببًا في رفع هذا البلاء، والشدة، والكرب، والضر النازل بإخواني وطلابي، الذين هم في أشد ما يتصور من البلاء، والضيق، والشدة، والشيخ يحيى قد بين أكثر من مرة (أننا اضطررنا وأكرهنا على التوقيع على بعض الوثائق).

وقال الشيخ يحيى حفظه الله بعد الوثائق التي طلبها الحوثي بعد أن فشلت الآلية الرئاسية ما نصه: "ونحن حريصون في هذه التوقيعات كلها على السلامة وعلى إخواننا الغرباء، أحبتنا الغرباء حفظهم الله تعالى، وأن يكون الشأن في ذمة الدولة سلبًا أو إيجابا، لنا عند الله مخرج كما قال أئمتنا: أنا إن أردت أن أوقف الدرس الذي أنا فيه، ويكون لي العذر عند الله، أنت الذي أوقفتني كما مر معنا في الجامع...وهكذا كل حين يأتون لنا بورقة وبدلوا وغيروا، والمهم أن الله قد فشلهم.." اهـ

بل لما وصل الحال إلى منتهاه من الضيق والشدة والكرب، وأصبح طلاب العلم لا يمتلكون شيئا من الغذاء ولا الدواء، وساءت حالة الجرحى كثيرا، ولا يوجد السلاح الذي يدفعون به عن أنفسهم فقد نفد، قال لهم الشيخ يحيى: (هاتوا أي ورقة وأنا أوقع عليها) من باب التنزل مع الخصم، وإظهارًا للوسطاء وللدولة، أن الحوثة متعنتون جدًا، لا يريدون السلام ولا الصلح؛ وإنما القتل واستئصال أهل السنة، وإهانتهم، وإذلالهم فقط.

فمثل هذا الحال الذي وصل إليه طلاب العلم وأهل دماج، لو وقع أي إنسان على أي وثيقة، فيها من المخالفات، والضلالات فمعذور عند الله تعالى، فحاله كما:

قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بالله مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].

وقال سبحانه وتعالى يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 119، 120]

قال الجرجاني في "التعريفات" (ص: 33): "الإكراه: هو الإلزام والإجبار على ما يكره الإنسان، طبعًا أو شرعًا، فيقدم على عدم الرضا، ليرفع ما هو أضر" اهـ

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح"(12/ 311- 312) عن الإكراه "هُوَ إِلْزَامُ الْغَيْرِ بِمَا لَا يُرِيدُهُ وَشُرُوطُ الْإِكْرَاهِ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ قَادِرًا عَلَى إِيقَاعِ مَا يُهَدِّدُ بِهِ وَالْمَأْمُورُ عَاجِزًا عَنِ الدَّفْعِ وَلَوْ بِالْفِرَارِ الثَّانِي أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ أَوْقَعَ بِهِ ذَلِك الثَّالِث أَن يكون ماهدده بِهِ فَوْرِيًّا فَلَوْ قَالَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا ضَرَبْتُكَ غَدًا لَا يُعَدُّ مُكْرَهًا وَيُسْتَثْنَى مَا إِذَا ذَكَرَ زَمَنًا قَرِيبًا جِدًّا أَوْ جرت الْعَادة بِأَنَّهُ لايخلف الرَّابِعُ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنَ الْمَأْمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَأَوْلَجَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَنْزِعَ وَيَقُولُ أَنْزَلْتُ فَيَتَمَادَى حَتَّى يُنْزِلَ وَكَمَنْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْ ثَلَاثًا فَطلق وَاحِدَةً وَكَذَا عَكْسُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْفِعْلِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ كَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ اهـ وهذا ينطبق تماما على حال أهل السنة المحاصرين في دماج

وقال ابن عاشور رحمه الله في "التحرير والتنوير" (14/ 294): "وَالْإِكْرَاهُ: الْإِلْجَاءُ إِلَى فِعْلِ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ. وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِفِعْلِ شَيْءٍ تَضِيقُ عَنْ تَحَمُّلِهِ طَاقَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ إِيلَامٍ بَالِغٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ نَحْوِهِ.

وَقَدْ رَخَّصَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِلْمُكْرَهِ عَلَى إِظْهَارِ الْكُفْرِ أَنْ يُظْهِرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَظَاهِرِهِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا كُفْرٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.

وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْأَخْذِ بِذَلِكَ فِي أَقْوَالِ الْكُفْرِ، فَقَالُوا: فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ غَيْرُ جَارِيَةٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكُفْرِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُ تَقِيَّةٌ وَمُصَانَعَةٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُسْلِمًا. وَقَدْ رَخَّصَ الله ذَلِكَ رِفْقًا بِعِبَادِهِ وَاعْتِبَارًا لِلْأَشْيَاءِ بِغَايَاتِهَا وَمَقَاصِدِهَا" اهـ

ثالثا: أن بعض الألفاظ قد لا يتنبه لها الموقع؛ أو يكون من باب التنزل مع الخصم ليعرف الناس تعنته، خاصة في ذلك الحين في شدة الحرب والحصار، والضرب المتواصل، ومع كثرة الوسطاء الملحين بالتوقيع، والاستعجال في ذلك، قد يذهل الإنسان ويشرد ذهنه، ولا ينتبه لبعض الكلمات، والعبارات، والألفاظ، والوقت ليس وقت تحرير، وإنما وقت إيجاد المخارج والحلول، لشدة الوضع القاسي المؤلم، وشدة تربص العدو، والشيخ يحيى حفظه الله كما تقدم قد رد الكثير من الوثائق وعلق عليها، وجعل لها تقييدات.

رابعا: تلك الوثائق والاتفاقات لم تنفذ على أرض الواقع أبدًا، كما مر في كلام الشيخ المتقدم، فهي في حيز العدم، فوجودها وعدمها سواء.

خامسا: أهل السنة وهم في هذا الحال وهذه الشدة، والقتل والقتال، والقذائف تنهال عليهم من كل حدب وصوب، لم يسكتوا عن الحوثي أبدًا، ولا عن عقيدته، ومنهجه، وأفكاره، وإجرامه حتى آخر يوم من رحليهم من دماج، وهم يبينون كفر الحوثة، وباطلهم، وشرهم، وعدوانهم، وظلمهم، ولم تكن تلك الوثائق التي لم تتم ولم تنفذ بمانعة لأهل السنة في دماج عن التحذير من الحوثي المجرم.

 سادسا: بعد تهجير الرافضة لأهل السنة من دماج، وعدم التزامهم بجميع الوثائق والاتفاقيات التي تم التوقيع والاتفاق عليها من أولها إلى  ما بعد الوثائق  التي بعد الآلية الرئاسية سواء من الشيخ يحيي أو من بعض أعضاء اللجنة السلفية الموفدة إلى اللجنة الرئاسية، أصبحت ملغية كلها،-وهي لم تنفذ كما قلنا من قبل- وكما مر في كلام الشيخ يحيى المتقدم أنها فشلت، وليس لأحد حجة بها علينا أهل السنة أبدًا، لأنها أصبحت في حيز العدم، وأصبحت ملغية، وكما نقضها الحوثة ولم يلتزموا بها، فإن أهل السنة ليسوا ملزمين بها من قبل ولا من بعد، فأهل السنة منذ خروجهم من دماج إلى يومنا هذا، وهم يحذرون من الحوثة، ومن أفكارهم، ومعتقداتهم، ويحثون المجتمع،  والدولة على التصدي لهم، ولأفكارهم، ومعتقداتهم،  وإجرامهم، وأن تقوم الدولة بواجبها في كف إجرام الحوثي عن هذا الشعب المسكين المستضعف، وهذا الفعل من أهل السنة صواب، لأن الإكراه الذي كان بهم قد زال ورفع، والحوثي نقض ولم يلتزم بشيء من قبل ولا من بعد.

وثيقة التعايش والإخاء بين الحوثة ومحمد الإمام:

هذه الوثيقة تختلف عن حالنا في دماج، جملة وتفصيلا، ولا مقارنة بين الحالين أبد، وذلك من خلال:

أولا: دفاع محمد الإمام هداه الله عن الرافضة من بداية الحصار الأول على دماج، والحوثي مازال في صعدة ولم يخرج منها، والإمام كان يخطب ويحاضر في الدفاع عن الحوثيين، وأنهم مسلمون، ولا يستحل دماءهم، ولا أموالهم، ولا أعراضهم، ولا يجوز قتالهم، وينتقد الحرب ضد الرافضة، ويطعن في المجاهدين في كتاف وفي غيرها من الجبهات، ويُخذل من أراد الذهاب لنصرة أهل السنة في دماج، وأقواله معلومة مدونة، ولا يستطيع أحد من البرامكة إنكار ذلك.

بل في أثناء الحرب تقوم إذاعة صعدة بالثناء على محمد الإمام والبرعي، وأنهم سلفيون معتدلون، ويثنون على مواقفهم، وإنما القضية مع الحجوري فقط، وليست مع السلفيين أبدًا!!

ثانيا: هذه الوثيقة الموقعة بينهم كانت في ( 28/ شعبان/1435هجرية-26/6/2014م) قبل أن يسيطر الحوثي على محافظة عمران، فقد سيطر عليها في(12 رمضان/1435هـ-9/7/2014م)، ولا ضرر على محمد الإمام في هذا الوقت أبدًا، وليست بإذن الدولة ولا الرئيس السابق عبده ربه منصور هادي وفقه الله ولا لجنة رئاسية، وإنما سارع محمد الإمام إليهم وحاله كما قال الله تعالى {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } [المائدة: 52]، ولم يكن على محمد الإمام ودعوته في هذا الوقت لا حصار، ولا حرب، ولا قصف بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والصغيرة، ولم يسقط من طلابه لا قتيل ولا جريح، وإنما هو وطلابه في رغد العيش، وفي بحبوحة النعم، ولا إكراه في ذلك الوقت عليهم البتة، فالحوثي مازال في عمران، والناس لا يتوقعون سقوط صنعاء في ذلك الوقت بسهولة، فالدولة مازالت موجودة، والرئيس مازال في بيته، والجيش في صنعاء مازال يتوعد بالدفاع عن صنعاء، ومحمد الإمام في ذلك الوقت كأنه يُسلم الحال للحوثي، ويُمهد له بالدخول، ويقول للناس بلسان حاله: الحوثي قادم إليكم لا محالة فافسحوا له الطريق، فقد فسحنا له بتوقيع الوثيقة، وقد تعجب الناس كيف يعمل وثيقة مع الحوثي ولا ضرر عليه، والحوثي ما قد دخل صنعاء، وهذا الفعل ينفي تماما أنه أُكره على توقيع الوثيقة.

ثالثا: ألفاظ وعبارات وثيقة التعايش خطيرة جدا، وتهدم الدين، وتصحح عقيدة الرافضة المجرمين، كما قد بينه كبار العلماء، وكل من رد وكتب في التحذير من الوثيقة، إضافة إلى حال محمد الإمام مع الرافضة ودفاعه المستميت عنهم وتنفيذ الوثيقة كما سيأتي بإذن الله تعالى، بخلاف بعض الألفاظ في بعض الوثائق التي بين أهل السنة وبين الحوثيين في دماج يمكن توجيهها، إضافة إلى ما سبق بيانه قبل من حالة واضطرار أهل السنة في دماج، وأنه لم يعمل بها، وأنها ملغية.

 رابعًا: محمد الإمام يدافع بقوة عن الوثيقة، ويخطب خطبة العيد المشهورة، ويقول: أمري بيدي!، وكأنه يقول لمن انتقده على الوثيقة: أنا حر لا دخل لكم، ولا أحد يتدخل فيّ، وأنا عملتها في كامل قواي العقلية، ولم يجبرني أحد عليها!، وهذا مما ينفي الإكراه على الوثيقة، فالذي يُكره على فعل شيء، لا يدافع عن فعله، ويجادل عنه بهذه القوة، وهذه الهنجمة، وأمام الجميع، وفي خطبة العيد!!

خامساً: محمد الإمام طبق الوثيقة بحذافيرها، قولا وفعلا، من قبل ومن بعد، وسار عليها، ولم يحد عنها قيد شعرة ولا أنملة، ويثنى على الحوثة، وسكت تماما عن بيان فكرهم وشرهم وإجرامهم هو وأتباعه، حتى أتباعه في المناطق المحررة وفي خارج البلاد!، بل ينصح طلابه بأن لا يُثيروا المسائل التي تؤدي إلى مشاكل مع الحوثيين مثل الطعن في الصحابة، بل يزورونه ويزورون طلابه ومساجدهم، وهو يرسل ولده إليهم، ويحصل ثناء متبادل ومديح، حتى قال نعمان الوتر: الحوثيون يحترمون العلماء!! وأثنى على الحوثي المجرم عبد الملك الحوثي، وهذا مما يزيد الأمر وضوحا أن المسالة ليست إكراهية كما يدعي بعض من لا يعلم.

بينما الحوثي لم يف ولم يطبق تلك الوثيقة، فمازال يعتدي على طلاب الإمام تارة، وعلى مساجدهم تارة، والله إن بعض مشايخ القبائل فعل اتفاقيات مع الحوثي، ولم يخضع ولم يخنع كما خنع وخضع محمد الإمام وطلابه.

سادسا: محمد الإمام غرر بالمجتمع اليمني، وحسن لهم صورة الحوثي والرافضة -في حين أن الشعب اليمني يعاني الأمرين من إجرام الحوثي-، بل من الطامات أن محمد الإمام قام في خطبة الجمعة قبل أيام قريبة، ويثني على كبار الرافضة، ويصفهم بأئمة الإسلام!، وهم رافضة أقحاح مجرمون يطعنون في الإسلام، فهل هذه أفعال المكرهين؟!

وأصبح الحوثي إذا أرد يحسن صورته الكريهة التي قد أصبحت واضحة حتى عند العجائز، زار محمدًا الإمام وأتباعه، ويصورهم ويظهرهم في قناة المسيرة، ويصفهم بالسلفيين المعتدلين، ويستدل بهم على أهل السنة الذين يحذرون من الحوثي.

سابعًا: أنكر كبار العلماء وثيقة محمد الإمام، وردوا عليها كأمثال العلامة الفوزان واللحيدان وغيرهم، ولم يتعرض أحد منهم لأي وثيقة أو اتفاق في دماج، لأنهم يعرفون ما كان يمر بأهل السنة في دماج من الإكراه والاضطرار، ويعرفون أنه لم يتم العمل بأي وثيقة أو اتفاق أبدًا في دماج، وأن وجودها وعدمها سواء، وأنه لو حصل أي اتفاق أو وثيقة؛ فأهل السنة معذورون في ذلك للحال الذي يمرون به كما تقدم شرحه.

وثيقة الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله مع الشيعة:

وهكذا يستدل البرامكة بالوثيقة التي كانت بين الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله، وبين كبار الشيعة في صعدة في ذلك الوقت، وهذا أيضا لا دلالة فيه البتة، وذلك من خلال:

أولا: الشيخ مقبل رحمه الله لم يُسارع إليها كما سارع محمد الإمام، ولم يطلبها منهم أبدًا، ولم يطبقها ويعمل بها كما سيأتي بإذن الله تعالى.

ثانيا: الشيخ مقبل رحمه الله كانت هذه الوثيقة في بداية دعوته، وكان غريبًا وحيدًا، وكانت المضايقات عليه كثيرة جدًا من كل حدب وصوب، وكانوا يوشون به هنا وهناك، وعند كل مسؤول، ويصورون أنه جاء بدين جديد، وجاء يهدد البلاد، ويفرق القبائل، ويهدم الدين، وكان وحيدًا، ومناصروه قليل، وأعداؤه كثير.

ثالثا: بسبب المشاكل التي افتعلها كبار مشايخ الشيعة  في ذلك الوقت في صعدة حتى أوصلوها إلى رئيس الجمهورية في ذلك الوقت وهو علي عبد الله صالح، وأمر الرئيس بتشكيل لجنة لحل قضية الخلاف، وشُكلت اللجنة، وعملوا اتفاقًا بين الطرفين بإشراف وموافقة الرئيس، من أجل أن يهدأ الأمر والخلاف الشديد، ووقع الشيخ مقبل رحمه الله لأن القوم يريدون القضاء عليه، وعلى الدعوة السلفية التي مازالت في مهدها، ويقلبوا عليه الدولة، فاضطر الشيخ لذلك، لكي يُظهر للدولة والمجتمع أنه جاء حقا يدعو إلى الله تعالى، ولا يريد الفتن، والمشاكل، وأن ما يقال عنه غير صحيح، وأنه لا يدعو إلى الفتن، ولا هدم البلاد، ولا جاء بدين جديد، فهدأت القضية أمام الرأي العام، وذهبت الأراجيف، والتهويلات، التي كان يوشي بها الشيعة إلى رئيس البلاد والمسؤولين.

رابعًا: الشيعة لم يلتزموا بهذا الاتفاق الذي جاء من رئيس الجمهورية، فما زالوا يحذرون من الشيخ هنا وهناك، لكن لم يعُد الأمر كما كان قبل الاتفاق، فقد عرف المسؤولون ورئيس البلاد، أن الكلام غير صحيح من الشيعة على الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله، وأنه مفتعل منهم، فما تدخلوا مرة أخرى في الخلاف، فلما رأى الشيخ مقبل رحمه الله أن الشيعة لم يلتزموا بالاتفاق، وأنه أصبح حبرًا على ورق، ولا وجود له في أرض الواقع، وأن أنظار المسؤولين ورئيس البلاد لم تعد حوله، واصل الشيخ مقبل رحمه الله دعوته العظيمة، وبدأ يحذر من الشيعة، ويفضحهم، ويكتب فيهم، ويدون أفعالهم، وطحنهم طحنا، فأصبح الشيعة يصرخون هنا وهناك، ولا أحد يلتفت إليهم، ولا لتحريشاتهم وكذبهم، ولم يعد لتلك الوثيقة وجود، ولم يعمل بها أحد، لا الشيخ مقبل رحمه الله، ولا هم، وأصبحت ملغية، وأصبح الشيخ مقبل رحمه الله في حل منها، ولم يطبق منها حرفا واحدًا، ولا يستطيع عاقل أن يثبت أن الشيخ مقبل رحمه الله عمل بها أو سار عليها أو دافع عنها، وقد حاولوا إيذاء الشيخ مقبل رحمه الله بكل وسيلة، وهددوه بالقتل بعد ذلك، ولكن الله حافظ دينه وأولياءه، فهل حال محمد الإمام هكذا لا وألف لا، وهيهات هيهات.

خامسا: هذه الوثيقة لا نعلم عن الشيخ مقبل رحمه الله أنه نشرها في كتبه أو رسائله، أو في أي مكان، مع حرص الشيخ مقبل على تدوين ما حصل له في كتبه ورسائله، مما يدل أن القضية عنده منتهية، وأن الوثيقة في حيز العدم، ولم يعمل بها كما سبق تقريره، ولم نعلم أن الشيخ مقبل جادل عنها، أو دافع عنها، كما يعمل محمد الإمام، وإنما الشيخ مقبل أماتها وأمات ذكرها.

أخيرًا:

بما تقدم يتضح الحال  والمقال لكل عاقل منصف، الفرقَ بين الحالين والأمرين، وأنه لا حجة للبرامكة علينا فيما تم توقيعه في دماج أثناء الحرب والحصار، وأنه لم يُعمل بها من قبل ولا من بعد، وأنه يختلف اختلافا تامًا جذريا، عن حال محمد الإمام ووثيقته التي طبقها بحذافيرها، وأن من يُقارن بين الوضعين والحالين، أو يشابه بينهما فهو جاهل ملبس مغفل، وأن حال محمد الإمام لا ينطبق عليه صفات الإكراه والاضطرار البتة، ولو علمنا أنه كان مضطرا لعذرناه لإكراهه واضطراره، لكن حاله ومقاله وأفعاله وسيره وجداله عنها ينفي ذلك تماما فالرجل مسارع فيهم.

والحمد لله رب العالمين

كتبه

أبو حمزة محمد بن حسن السِّوري

غفر الله له ولوالديه

ليلة الأول من شعبان 1444هحرية

حمل الرسالة بصيغة

بي دي اف

من هنا




نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى