السبت

[إطلاق لفظ العم على غير أخي الأب وأخته]

[إطلاق لفظ العم على غير أخي الأب وأخته]

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد:
 معلوم أن لفظ العم يطلق على أخي الأب وأخته،  فيناديهم أبناء أخيه يا عم أو يا عمة، وقد انتشر بين الناس إطلاق لفظ العم على غير ذلك، ويقال ذلك احتراما له وتقديرا.

وقد جاءت بعض الأدلة تدل على هذا الأطلاق فمن ذلك:

ما جاء عن  عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ: مِثْلَهَا، قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُ، فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ» ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ» متفق عليه.

وجاء من حديث أَبي أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ ضي الله عنه قال صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: «العَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاَةُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ» متفق عليه.

قال العلامة العيني رحمه الله في« عمدة القاري » (5/ 36)قَوْله: «يَا عَم» ، بِكَسْر الْمِيم، وَأَصله: يَا عمي، فحذفت الْيَاء، وَهَذَا من بَاب التوقير وَالْإِكْرَام لأنس، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَمه على الْحَقِيقَة» اهـ.

وقال العلامة القسطلاني رحمه الله  في « إرشاد الساري » (1/ 493):« (يا عم) بحذف الياء بعد الميم والأصل إثباتها وقال له ذلك توقيرًا وإكرامًا وإلاّ فليس هو عمه» اهـ

وقال الشيخ زكريا الأنصاري في «منحة الباري » (2/ 265):« (يا عم) بحذف الياءِ من عميِّ قال له ذلك؛ توقيرًا أو إكرامًا، وإلا فليس هو عَمّه» اهـ.

وجاء من حديث  عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» ، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ: «أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي» وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» ، قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَالله، لَا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا، وَالله، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيْ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَآهُ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟» قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا » رواه مسلم

قال العلامة أبو شامة رحمه الله في « شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى» (ص: 154):« وَفِي رِوَايَة: " أَي ابْن عَم " وَهُوَ الأَصْل لِأَنَّهُ ابْن عَمها حَقِيقَة. وَوجه الرِّوَايَة الأولى أَنَّهَا خاطبته بذلك على وَجه التَّعْظِيم لَهُ لَا على وَجه النّسَب بَينهمَا تَنْزِيلا لَهُ منزلَة الْأَب كَمَا يخاطبه الْأَجْنَبِيّ الصَّغِير بذلك. وَمثله يَقع فِي بعض الْأَسَانِيد من رِوَايَة حَنْبَل بن إِسْحَاق بن حَنْبَل، عَن ابْن عَمه الإِمَام أبي عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل فَيَقُول: ثَنَا عمي - يَعْنِي أَحْمد - وَإِنَّمَا هُوَ ابْن عَمه.
وَأما تعبيرها عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّهُ ابْن أَخِيه فَهُوَ من بَاب التَّعْظِيم لَهُ أَيْضا والتوفيق فِي الْخطاب طلبا للإقبال عَلَيْهِ والإصغاء إِلَيْهِ، وَلَيْسَ من بَاب النّسَب فَإِن ورقة وَإِن كَانَ قرشيا فَلَيْسَ عَمَّا للنَّبِي - صلى الله عليه وسلم » اهــ

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري » (12/ 94):« وقد ظفرت بما يدل على أنه عمر بن أبي سلمة فأخرج عبد الرزاق من مرسل الحسن بن محمد بن علي قال سرقت امرأة فذكر الحديث وفيه فجاء عمر بن أبي سلمة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أي أبه إنها عمتي فقال لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها قال عمرو بن دينار الراوي عن الحسن فلم أشك أنها بنت الأسود بن عبد الأسد، قلت ولا منافاة بين الروايتين عن جابر فإنه يحمل على أنها استجارت بأم سلمة وبأولادها واختصها بذلك لأنها قريبتها وزوجها عمها وإنما قال عمر بن أبي سلمة عمتي من جهة السن وإلا فهي بنت عمه أخي أبيه وهو كما قالت خديجة لورقة في قصة المبعث أي عم أسمع من بن أخيك وهو بن عمها أخي أبيها أيضا» اهـ

الخلاصة: تبين من خلال ما تقدم جواز إطلاق ذلك على غير أخي الأب وأخته من باب الاحترام والتقدير، وليس ذلك مما يعاب.
والحمد لله رب العالمين

كتبه أبو حمزة محمد بن حسن السوري

ليلة الأحد 3 من ربيع الثاني 1438 هجرية

مكة المكرمة


نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى