السبت

[مناظر ومواقف جميلة في الحج]

مناظر ومواقف جميلة في الحج

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } [الحج: 27 - 30]

والصلاة والسلام على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ» رواه الترمذي في جامعه عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه

أما بعد:
فإن الحج ركن من أركان الإسلام الحنيف فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ » متفق عليه

والحج عبادة عظيمة تحتوي على جم كبير من العبادات المتنوعة الكثيرة، سواء المالية أو العقدية، أو العملية أو التركية، وهذه الأشياء قد تم التصانيف فيها، والتأليف في أحكام الحج، وشرح كيفيته، وجمع الأدلة في ذلك لكثير من أئمة وعلماء الإسلام السابقين واللاحقين، والمكاتب الإسلامية تزخر بثروة عظيمة من ذلك

وإن من يسر الله له الحج ورزقه ذلك ليرى خلال حجه وتنقله بين المشاعر ما يبهر العقول، ويشرح الصدور، ويزيد الإيمان والتقوى، ويبعد الهموم والغموم كثيرا مع شدة الأتعاب والإرهاق في أعمال الحج والتنقل بين المشاعر، والحج من أول إلى آخر تجد فيه روحانية عظيمة، ومناظر  ومواقف جميلة، وإني ذاكر بعض المناظر التي شاهدتها فمنها:

شوق محبة الحجاج للحج:
وهذا رأيناه وسمعناه من الحجاج والعمار أنهم في محبة وشوق إلى الحج وإلى إتمامه، وترى في وجوههم الفرح والسرور، والكل يسأل الله العلي القدير أن يُسهل الحج ، وأن يعين على إتمامه، وما إن يرى الحجيج الكعبة البيت الحرام والمشاعر المقدسة إلا وترى الدموع تنهال من شدة الفرح، وحُق لهم ذلك، فالواحد يتمنى وقتًا طويلًا من عمره أن يحج أو يعتمر ويزور المشاعر المقدسة، و ياله من فرح كبير عندهم عند أن تطأ أقدامهم هذه المشاعر والمناسك، لا تساوى الدنيا عندهم شيئا.

تعظيم الناس للكعبة البيت الحرام والمشاعر:
وهذا شيء جميل جدا فترى تعظيم الحجاج والمعتمرين والزوار للكعبة البيت الحرام  وللمشاعر لا يُكاد يوصف، فالكعبة شيء مهاب عند المسلمين، ولها منزلتها ومكانتها، كيف لا وهي قبلة المسلمين قال الله تعالى : {جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [المائدة: 97]

وقال الله تعالى : {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 149].

وقال الله تعالى :{ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144]

فالناس يعظمونها جدًا وهذا أمر جميل، ومما رأيناه أن بعض المسلمين إذا رأى من يمد قدميه إلى الكعبة يتألم ويقول له يا أخي حول قدميك إلى جهة أخرى لا تمد رجليك إلى الكعبة، وترى الناس إذا أصبحوا أمام البيت الحرام تنهل دموعهم، ويزداد خشوعهم، ويكثر دعاؤهم وتضرعهم، وتطول صلاتهم أكثر، فهم يرون أنفسهم في مكان معظم عظمه الله وأمر بتعظيمه والاهتمام به :

قال الله تعالى : {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 125، 126]
وقال الله تعالى : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26].
وهذه دعوة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]

كثرة  دعاء الله تعالى والتضرع إليه والإكثار من العبادة:
فكم ترى من أصناف الناس على مختلف أجناسهم، ومختلف أعمارهم، رجالًا ونساء وصغارً وكبارً عربهم وعجمهم يتضرعون إلى خالقهم بشدة، وفي جميع المناسك والمشاعر المقدسة سواء في البيت الحرام أو منى أو مزدلفة أو عرفات أو بعد رمي الجمرة الصغرى والوسط، فترى الكثير يستغلون هذه الأماكن لدعاء الله تعالى، والتضرع الكثير والصلاة والطواف، فهذا يدعو ويبكي وهذا يمكث الساعات وهو رافع يديه خاصة في عرفات من بعد الزوال إلى غروب الشمس، وترى في وجوههم وتسمع الإلحاح الشديد على ربهم سبحانه وتعالى في أقوالهم، وكل واحد يحاول أن يجمع جميع ما يريده وما يطلبه من ربه سبحانه وتعالى أن يحققه له من أمور الدينا والآخرة ومغفرة الذنوب وزوال الكروب والهموم ورفع الضر والعتق من النار، ويرى أن هذه فرصة لا تعوض، ويخاف أن تفوته هذه الفرصة، فلذلك تراهم في لهفة شديدة على ربهم  سبحانه وتعالى، يا رب، يا الله، يا رحمن، يا كريم، يا غفور، يا رزاق.....، ويحاولون أن يجمعوا أغلب الأدعية، وبعضهم يجهز له في أوراق أدعية أو كتب تهتم بالأدعية المتنوعة، ويحاول أن يأتي بها جميعًا، ويكررها مرات وكرات، وكذلك الإكثار من العبادات المتنوعة، وقراءة القرآن، وبعضهم يحرص على إكمال القرآن خلال أيام الحج، وكذلك يكثرون من التهليل والتسبيح  والتحميد والتهليل، والإكثار من التلبية في جميع المناسك وفي الطرقات.  

اللباس الأبيض (الإحرام):
أما هذا فهو من الأمور الجميلة جدًا، فترى الملايين في ساحة واحدة، في المناسك والمشاعر، وهم بلباس واحد موحد عربيهم وعجميهم وغنيهم و فقيرهم؛ كلهم يلبس ذلك اللباس وهم فرحون به جدا، ولا يزدرونه ولا ينتقصونه، ولا يملون من لبسه أيام الحج ويحاولون الحافظ عليه وعلى نظافته، وكلهم يتعبد الله تعالى بهذا اللباس، ويرى أن لبسه عبادة وقربه لله تعالى، وأنه خير اللباس .

سيل أبيض يتنقل من مشعر إلى مشعر:

وهذا من الأمور الملفة الجميلة، فترى سيلًا أبيضًا يدور حول الكعبة ليلا ونهارا وبين الصفا والمروة، ثم ينتقل إلى منى يوم التروية من جميع المناطق من مكة سواء من الحرم أو غيره، ثم إلى عرفات حيث يوم الجمع الأكبر والموقف العظيم فالحج عرفة
 فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا، فَنَادَى: «الحَجُّ عَرَفَةُ»
فترى الشوارع والمخيمات، ومسجد نمره، وحول المسجد وحول جبل الرحمة سيلًا أبيضًا في حر الشمس ثابت من بعد الزوال إلى غروب الشمس.

روى الإمام أحمد في «مسنده» عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: « إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا »
ثم يتحرك هذا السيل الأبيض  بعد غروب الشمس متجهًا إلى مزدلفة، فترى في الطريق إلى مزدلفة سيلًا عرمرمًا عظيمًا يتحرك إلى مزدلفة، والأرض ترتج بأصوات الحجيج بالتلبية موقف مهيب والله يذرف الدمع من عينك من هذا المنظر العظيم، حتى يصل هذا السيل الأبيض إلى مزدلفة، فتتغطى المزدلفة بالبياض، فترى بياضًا عن يمينك وعن شمالك ومن أمامك ومن خلفك، فيهدأ هذا السيل عن السير ساعات عند المشعر الحرام وما حوله، وتتذكر قول الله تعالى :
{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198]

 وروى الإمام الترمذي رحمه الله:  عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَالله مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» قال الإمام الألباني رحمه الله «صحيح»

ثم يتحرك هذا السيل الأبيض قبل شروق الشمس بقليل متوجها إلى منى، فتخرج عليهم الشمس وترتفع عليهم حرارتها وهم يواصلون المسير.
روى الإمام مسلم رحمه الله : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ، حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا - وَهُوَ مِنْ مِنًى - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ» وَقَالَ: «لَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي، حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ»

وهذا هو يوم الحج الأكبر يوم النحر الذي قال الله عنه في كتابه الكريم: {وَأَذَانٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 3]

وروى البخاري رحمه الله عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قال وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَرَاتِ فِي الحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ» فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللهمَّ اشْهَدْ» وَوَدَّعَ النَّاسَ، فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الوَدَاعِ».

و عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: «لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ» متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
فيصل هذا السيل الأبيض إلى الجمرات فترى مداخل الجمرات من جميع المداخل إلى جميع الأدوار سيلا أبيضًا يحترك فيدخل الجمرات ثم يخرج من الجمرات بعد رمي الحجيج سيلا أبيضًا، فيتوجه إلى بيت الله الحرام من عدة اتجاهات، فيطوف هذا السيل الأبيض بالكعبة المشرفة طواف الإفاضة ثم بالصفا والمروة، فترى منظرًا والله عظيمًا وكبيرًا جدا يُدخل على النفس السرور والارتياح وترى عظمة الحج ومكانته.

نساء يجاهدن في الحج:
جهاد النساء الحج والعمرة كما جاء من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: « نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ، لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ » رواه ابن ماجه وصححه الإمام الألباني رحمه الله
فالنساء يكابدن المشقات والأتعاب في الحج والعمرة سواء في السفر إلى البيت الحرام أو في المناسك والتنقل والصبر على ما تجده في سبيل تحقيق ذلك، فتصابر وتجالد في سبيل تحقيق هذا الجهاد العظيم الذي فرضه الله عليهن، وكم تفرح النساء بهذا السفر جدا، وأداء هذه الشعيرة العظيمة وتضحي في سبيل تحقيق ذلك بالغالي والنفيس.

أطفال يحجون:
وهذا من المناظر الجميلة الطيبة، فترى أطفالًا كثيرين مع أباءهم وأمهاتهم، في اشتياق كبير للحج حتى إن بعض أبنائي كان يقول لي: يا أبتي متى يأتي الحج، فأنا مشتاق للحج كثيرا، ومما يزيدك فرحا أن ترى الأولاد الصغار لابسي الإحرام، وكذلك يتحركون مع أباءهم من مشعر إلى مشعر ومن منسك إلى منسك، ويتسابقون في رمي الجمرات، ويصبرون على المتاعب، وقطع المسافات الكبيرة سيرا على الأقدام، فهنئا للآباء الذين أخذوا أبناءهم معهم في الحج ونذكرهم بحديث :
ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» متفق عليه

خدمة الحجاج والمعتمرين والقيام على حمايتهم ورعايتهم:
قال شيخنا الإمام العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى «‏ﻭ ﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻱ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺨﺪﻣﺔ  ﺍﻟﺤﺠﻴﺞ  ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﺑﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﺤﺠﻴﺞ، ﻓﺎﻟﺤﻖ ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ» .اهــ  من كتاب «فضائح ﻭﻧﺼﺎﺋﺢ»( ص٢٧).

أقول: صدق شيخنا الوادعي رحمه الله فخدمة هذا البلد المبارك لزوار بيت الله الحرام من المعتمرين طوال السنة  كبيرة جدا من جميع الاتجاهات، وتزداد هذه الخدمة أضعاف مضاعفة في موسم رمضان، وأضعاف مضاعفة في موسم الحج، فتُسخِر هذه البلاد المباركة جميع إمكانياتها وطاقاتها وكل ما تستطيعه في أيام الحج، فترى والله خدمة عظيمة جدًا ورعاية فائقة للحجاج والمعتمرين مذهلة لا تتصورها، لا تُقدر ثمنها وجهدها ولا تستطيع أن تصفها وصفًا شافيًا كافيًا.

فكم من أموال وجهود جبارة تصرفها هذه البلاد المباركة لخدمة الحرمين الشريفين، لتوسعتهما وتطويرهما ونظافتهما ليلًا ونهارًا، فترى أروقة الحرمين الشريفين مع هذه الجموع المليونية التي تتدفق على الحرمين الشريفين، تراها نظيفة جاهزة لاستقبال الحجاج والمعتمرين على مدار الساعة، ولو فكرت مثلا المياه العظيمة التي يستخدمها الحجاج والمعتمرون والزائرون في الوضوء والغسل لرأيت أمرًا مذهلًا، ومع هذا لا ترى الماء ينقطع لا ليلا ولا نهارا، وترى العمال والمنظفين على مدار الدقيقة والساعة ينظفون ويتناوبون بأعداد هائلة جدا، وكذلك تجهيز ألاف الحمامات حول الحرم من جميع الاتجاهات فترى الحمامات في ازدحام هائل عليها، ومع ذلك تُنظف وتجهز للحجاج والمعتمرين والزائرين باستمرار.

وكذلك الخدمة الكبيرة الجبارة للحجاج والمعتمرين في المناسك والمشاعر في عرفة ومزدلفة ومنى والجمرات، فماذا نقول وماذا نشرح وماذا نصف من تلك الخدمات العظيمة، وتجهيز المخيمات المكيفة المترامية الأطراف ونظافتها وتجهيز مياه الشرب والغسل والوضوء والحمامات، وتوزيع الغذاء، ونشر القاطرات على الطرقات التي تقوم بتوزيع الأكل والشرب والعصائر والماء البارد والوجبات، ولا تنس المباني العملاقة التي هُيأت لرمي الجمرات، فهو تصميم عظيم يدل على اهتمام بالغ وعظيم.

وأما حماية الحجاج والمعتمرين فشيء مذهل ما يقرب من مأتي ألف من الجنود الأبطال على مختلف أنواعهم ومناصبهم ومختلف وحداتهم؛ ينتشرون في البيت الحرام والمناسك والمشاعر، ويقومون بالترتيب والتنظيم والحماية ومساعدة الحجيج وإرشادهم إلى الطرقات ومنع الازدحام والمضايقات، وترتيب المداخل والمخارج، فتمشي وأنت آمن مطمئن، وترى الجنود في قمت الأخلاق والأدب والرحمة بالحجيج، مع كثرة الحجيج واختلاف طبائعهم وأخلاقهم واختلاف لغاتهم، وهم يقومون بالحماية والرعاية وتأمين الحجاج والمعتمرين على مدار الساعة ليلا ونهارا، وهم في شدة الشمس والجو حار، ومع هذا يقومون بواجبهم المسنود إليهم على أحسن قيام بحمد لله تعالى.
وقد ذرفت دموع العين وأنا أرى هؤلاء الجنود الأوفياء يودعون الحجيج، ويسلمون عليهم ويبشون في وجوههم والناس يغادرون منى، والحجيج يقابلونهم بالتحية و السلام والدعاء، وكأنك ترى الصدق يودع صديقه والأخ يودع أخاه والابن يودع أباه، فيالها من تربية عظيمة لهؤلاء الجنود، وياله من ترسيخ في نفوسهم بأنهم يخدمون ضيوف الرحمن، وأن هذه عبادة عظيمة ورباط وجهاد يقوم به هؤلاء المرابطون على ثغور المناسك والمشاعر وعلى بيت الله الحرام.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله» رواه الترمذي رحمه الله فنسأل الله أن لا يحرمهم هذا الأجر.
ولقد كان بحمد الله وتوفيقه حج هذا العام 1437هجرية من أحسن الأعوام لأمن الحجيج وسلامتهم، وكان حجًا ناجحًا خاليًا مما يُكدر صفوه، ويقلك سيره.
فالشكر لله أولا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، ثم الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وولي عهده الأمير محمد بن نايف حفظه الله وكل من تعاون معهم في انجاح هذا الحج المبارك.

حج مبارك بدون إيران:
وهذا مما أفرح المسلمين أن يخلوا هذا الحج من روافض إيران الذين سعوا خلال السنوات الماضية إلى زعزعة الأمن والإخلال بالحج والحجيج، وكنا نرى ونسمع في السنوات التي حججنا فيها سابقا نرى أن الحجاج الإيرانيين لا يأتون للحج، وإنما يأتون لبث أفكارهم وترديد شعاراتهم وأذيت الحجاج بتصرفاتهم وبدعهم وشركهم وعمل الموالد والحسينيات، وقد كانوا يتجمعون في نواحي متفرقة في الحرم، ويعملون حلقات ويجعلون لهم واحدا يجلس على كرسي ثم يبدؤون بالنحيب والبكاء والصراخ والشرك والبدع والخرافات في حرم الله .
وهذا الحج سلم الله الحجيج من شر هؤلاء ومن روائحهم الكريهة المنته، ومن بدعهم وشركهم وصراخهم وعويلهم، وعلم الناس أن الذي يثير القلاقل والفتن في الحج هم دول الفرس، وأنهم يستغلون هذه الموسع لزعزعة الأمن، ومحاولة الإضرار بهذه البلاد المباركة وتشويهها بأنها لا تقدر على حماية الحجيج، وأنه لا بد أن يوكل الحج بدولة غير هذه الدولة المباركة.
فالحمد لله فشل هذا المخطط الصفوي الفارسي الخبيث، وحج الناس بأمن وأمان وسلم وسلام، فالشكر الله أولا ثم  لدولة التوحيد والسنة على حزمها، وعدم فسح المجال لكل صاحب فتنة يريد الإضرار بالحج.

وسيكتب التاريخ ويتناقله الأجيال جيلا بعد جيل ويدون في الكتب أن الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله منع دولة الفرس من الحج سنة 1437 حتى يلتزمون بآداب وتعليمات الحج، وأن يسيروا كما تسير جميع الدول الإسلامية في الحج، وأن الحج ليس فوضى ولا عبث ولا مهزلة، وإنما هو عبادة وأخلاق وسكينة وأمن وأمان، ولو كان هؤلاء الفرس يريدون الحج ولا يريدون الفتن والقلاقل لوافقوا وساروا كما تسير جميع بلدان المسلمين، فو الله إننا في سرور عظيم أننا لم نر الروافض المشركين يدنسون بأقدامهم النجسة البيت الحرام والمشاعر المقدسة التي شرع الله العبادة فيها ودعا إليها لإقامة التوحيد، ورفع أصواتهم بالتلبية ويهلون بالتوحيد «لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ»
روى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «وَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ «لَبَّيْكَ اللهمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ».
فهذا التوحيد يتركه الرافضة في الحج ويدعون غير الله عز وجل، ويدعون عليًا وحسينًا رضي الله عنهما ويستغيثون بغير الله عز وجل، ويشركون وينددون.

أخيرا:
هذه بعض المواقف والمناظر الجميلة التي جال بها خاطري والمواقف كثيرة لمن أراد التوسع فيها، ونسأل الله أن يتقبل منا ومن حجاج بيته الحج ويجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا و خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجزي أهل هذه البلاد المباركة خير الجزاء على ما قاموا به وما يقومون به من خدمة الإسلام والمسلمين، وأن يجعل هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
والحمد لله رب العالمين

كتبه أبو حمزة محمد بن حسن السوري
ليلة السبت 15 من ذي الحجة 1437 هجرية

مكة المكرمة حرسها الله


نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى