الأحد

فوائد من قيام الإمام ابن خزيمة على الباطل في زمنه


فوائد من قيام الإمام ابن خزيمة على الباطل في زمنه

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العقيدة الاصفهانية"(1/73) :$ وقال أبو إسماعيل الأنصاري الملقب بشيخ الإسلام في مناقب الإمام أحمد لما ذكر كلامه في مسألة القرآن وترتيب حدوث البدع قال:
وجاءت طائفة فقالت لا يتكلم بعد ما تكلم فيكون كلامه حادثا
 قال: وهذه أغلوطة أخرى في الدين غير واحدة، فانتبه لها أبو بكر بن خزيمة وكانت نيسابور دار الآثار تمد إليها وتشد إليها الركائب ويجلب منها العلم فابن خزيمة في بيت ومحمد بن إسحاق- يعني السراج  في بيت، وأبو حامد بن الشرقي في بيت.
قال: فطار لتلك الفتنة الإمام أبو بكر فلم يزل يصيح بتشويهها، يصنف في ردها كأنه منذر جيش حتى دوّن في الدفاتر وتمكن في السرائر وتفسير في الكتاتيب ونقش في المحاريب:
أن الله متكلم إن شاء تكلم وإن شاء سكت، قال: فجزى الله ذلك الإمام وأولئك النفر على نصر دينه وتوقير نبيه خيرا#.اهـ

قال أبو حمزة محمد بن حسن السوري غفر الله له ولوالديه

في هذه القصة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فوائد جميلة منها :

1-أن شبهات أهل الباطل عبارة عن أغاليط؛ يغالطون بها المسلمين، وخاصة الجهال الذين هم في بعد عن العلم والعلماء، فليست علما، وإنما جهلا وتلبيسا، فلا يقال عنها أدلة وبراهينا.

2-تنبه وتفطن أهل العلم للفتن، وللشبهات التي تروج وتنتشر في المجتمع.
قال الله تعالى :{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [ سورة العنكبوت ].
وقد ثبت عن الحسن البصري أنه قال: $ إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل #اهـ
أخرجه ابن سعد في "الطبقات"، من طريق عفان بن مسلم عن زُرَيْكُ بن أبي زريك عن الحسن، به.
وإسناده صحيح، زُرَيْكُ قال عنه الضياء في "المختارة " ( 58 / 180 / 1 ) : " زريك بن أبي زريك وثقه يحيى بن معين ".
وكذلك وثقه ابن الجنيد كما في " الجرح و التعديل " ( 1 / 2 / 624 ). أفاده الألباني في$ الصحيحة# ( ت4 / 197 ).، ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" ( 4 / 321 ).
ولعلكم تذكرون قصة عبد الله بن مسعود مع المتحلقين في المسجد التي رواها الإمام الدارمي رحمه الله في $سننه #(1 / 286) عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا.
قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ.
قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟
 قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ. قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ» ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ،
فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ» .
قَالُوا: وَالله يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ» قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ "، وَايْمُ الله مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ#.

3-وفيه مبادرة السلفي لقول الحق والتصدي للباطل، وأنه لا ينتظر قيام غيره به إذا كان عنده قدرة وعلم بذلك.

 4-مكانة وميزة وفضل الأماكن التي تُدرِس العلم الشرعي وتهتم بذلك، فلها منزلة عظيمة عند أهل السنة، فبلاد نيسابور اشتهرت بالعلم والتعليم، وإخراج طلاب العلم والعلماء، علماء السنة والحديث والأثر.

5-الرحلة إلى الأماكن التي تعلم الكتاب والسنة؛ فهي طريقة السلف، فقد رحل العلماء إلى بلاد نيسابور لأخذ الحديث وعلوم الدين.

6-مجاورة العلماء لبعضهم البعض فهي من النعم العظيمة والكبيرة أن تجاور عالما، و هذه ينعم بها أهل السنة في اليمن في المراكز السلفية فترى آلاف الطلاب والدعاة والمشايخ يجاورون بعضهم البعض ويدرسون سويا ويلتقون يوميا ويتدارسون الفنون والعلوم والفوائد يوميا .

7-سرعة تصدي العلماء للباطل والفتن وإخمادها في بدايتها قبل أن تتمكن من قلوب الناس، فقوله:" فطار" يدل على سرعة تصديه للفتنة والوقوف ضدها .
ولعلكم تذكرون سرعة تصدي الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه  لأهل الباطل:
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عَنْهُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا الله، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله "
فَقَالَ: وَالله لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا " قَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عَنْهُ: «فَوَ الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ الله صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ»
8-أن الفتن لابد أن يصيح العلماء عليها ويزجرون أهلها، ويعرف الناس شرها وشر أهلها، وفيه إهانة الفتن وأهلها، وفضحهم أمام الناس في الدروس والمجالس واللقاءات، ويُكتب فيها ويؤلف في التحذير منها، ويكرر الكلام فيها حتى ترسخ لدى طلاب العلم وأهل السنة أنها باطل.
وهذا الفعل مشهور عند السلف
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في " الصواعق المرسلة" (3 / 1070) وهو يحكي تصدى السلف لأهل الأهواء :
$ فصاح بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر ورموهم بالعظائم وتبرأوا منهم وحذروا من سبيلهم أشد التحذير ولا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم وكلامهم فيهم معروف في كتب السنة وهو أكثر من أن يذكر هاهنا# اهـ

8-وفيه الرد على من يقول يكفي رد واحد، فهو هنا رد وتكلم ودون وكتب حتى ترسخت العقيدة الصحيحة في الدفاتر والكتب وفي صدور طلاب العلم وفي المساجد وعرفت العقيدة الصحيحة وحذر الناس من العقيدة الفاسدة.

 9-وفيه الدعاء والثناء على من تصدى للباطل ونشر الحق وصاح في الباطل وأهله، وعدم معارضة الناصحين الذين يدلون بالحق والأدلة والبراهين، لأنهم يعرفون أنه قائم بواجب وعلى ثغرة عظيمة، فيرون هذا الإمام تصدى للباطل وبذل جهادًا عظيما فما كان منهم إلا التأييد والثناء والدعاء، ولم يكونوا مخذلين لمن قام بالحق وتصدى له، عكس ما نشاهد في أناس  في  زماننا إلا من رحم الله.

 10-وفيه شدة السلف على أهل الباطل والتنفير عنهم في كل مكان وفضحهم بقوة وأن ذلك ممدوح عند السلف الصالح.

11-وفيه الرد على من يشترط كلام أكثر المشايخ أو بعضهم في القضية أو الرد، فهنا قام هذا الإمام و بالقرب منه بعض العلماء لم يتكلموا، فهذا الشرط لا دليل عليه
وفيه الرد على كبكبة الإبانة الذين شغلوا الناس باجتماعات ولقاءات وسفريات هنا وهناك  كلما قام مزوبع على الدعوة السلفية، فقد قام هذا الإمام ورد وبين؛ ولم يقل اجمعوا العلماء ولا بد من إصدار بيانات في هذه القضية.

12-وفيه الرد على من يمكث سنوات يناصح في الخفاء، فهو من ضياع للأوقات، وترك للباطل حتى يتمكن من قلوب الناس، فأهل الباطل يصرخون بباطلهم هنا وهناك حتى يتمكنوا ويفسدوا في المجتمعات، وأنت تدعي المناصحة في الخفاء!!.

13-وفيه شدة غيرة السلف على دين الله، وخوفهم من ضياع الحق، وخوفهم من افتتان الناس، وانجرافهم خلف الباطل، وأن همّ العلماء هو إصلاح المجتمعات، وإخراجهم من مصائد أهل الزيغ والانحراف إلى نور الحق .

14-أن العلماء لا يرتاحون، ولا يهدأ لهم بال، إلا إذا زال الشر وأهله وفضح أمام الناس.

15-وفيه الرد على من يمنعون نشر الردود السلفية وبيان الخلافات والشبه أمام الناس، فهذا الإمام ما ترك وسيلة إلا وعملها في بيان الباطل، وفي كل مكان استطاع الوصول إليه.

والحمد لله رب العالمين
 كان الانتهاء منه ليلة الاثنين 14من ربيع الأول 1441 هجرية






نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى