نصح أولى الألباب بترك الانشغال وضياع الأوقات بالواتساب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين
أما
بعد:
فإن
النصيحة من ديننا، ومرغب فيها كثيرا، ومحبوبة لدى الصالحين وعباد الله المتقين.
فالدين النصيحة:
فعَنْ
تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ
وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم وعلقه البخاري .
وعَنْ
جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه، قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ
لِكُلِّ مُسْلِمٍ» متفق عليه
فامتثالًا
لهذه الأدلة وغيرها أحببت أن أبذل نصحا لنفسي أولًا، ثم لإخواني السلفيين ثانيا ،
حول أمر مهم؛ وهو الانشغال وضياع الأوقات بالواتساب
حيث:
انتشر الواتساب
بشكل ملفت بين أوساط المجتمع:
وهذا
مما عُلم وعُرف انتشار الواتساب بين صفوف المجتمع كبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم
وبرهم وفاجرهم.
بل
اقتناه كثير من المشايخ والدعاة وطلاب العلم وعوام أهل السنة وذلك:
1-لما
يتميز من القدرة على التحكم فيه بخلاف الفيسبوك وتويتر وغيرهما، من منع الصور
وغيرها .
2-خفته
وسرعة التراسل والتواصل به، وتشكيل المجموعات التي تحوي أعدادًا كبيرة من الأعضاء.
3-سهولة
الحصول عليه واستعماله؛ فأصبح بين أيدي الناس وفي جولاتهم، ويراقبونه ليلا ونهارا،
ويتابعونه من أكثر الأشياء في حياتهم ، بل وعزف الكثير عن متابعة الشبكات، فكل
واحد يأتيه الخبر إلى بين يديه، ولا يحتاج متابعة المواقع والشبكات.
الواتساب جليس
يطول مجالسته:
وهذا
مما يعرفه الكثير أن الواتساب أصبح لكثير من الناس جليسا ، يجالسه أكثير من أولاده
وأهله وإخوانه، كيف إذا انضاف لذلك كثرت المجموعات، بل وصل الحال ببعضهم إلى عشرين
مجموعة، بل بعضهم قال أكثر من أربعين مجموعة!!، بل بعضهم وصل إلى الستين مجموعة
كما حدثني بعضهم بذلك، وربما بعضهم أكثر، وكل ذلك اضربه في مائة عضو!!، فيحتاج إلى
المتابعة في كل مجموعة ليلا ونهارا فيصبح أكبر جليس للرجل.
و قد جاء
الاهتمام بالجليس في ديننا:
قال
تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28].
وعَنْ
أَبِي مُوسَى رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ
الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ،
وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ
ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً " متفق عليه.
قال
الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث : "... وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير
والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع
... "
بعض هذا الجليس على
غير الجادة:
وهذا
قد يغلب في كثير من المجموعات أن أصحابها يُجمعون فيها من هنا وهناك إلا من رحم الله.
وقد يقول قائل:
نحن نريد إفادة عوام المسلمين والمحبين للخير؟
يقال:
جزاك الله خيرا، وليس الكلام على عوام المسلمين المحبين للخير، المريدين للفائدة،
الذين يعرفون للحق قدره، ويرغبون في الاستفادة، فهم من جلساء الخير، وهم مع القوم الذين
لا يشقى بهم جليسهم بإذن الله.
إياكم وأهل
البدع والأهواء والمعاصي في مجموعاتكم:
فبعضهم
يجمع فيها من المفتونين، ومن المحاربين للحق والمخذلين له، ومن المناصرين للباطل
وأهل الباطل، ومن المجادلين بغير حق وصدق، بحجة أو بأخرى، فهذا لا يصلح، ولا يليق
بسلفي أن يُجمع جلساء شر تطول مجالستهم، يفتنون في هذه المجموعات وينشرون المعاصي
في طياتها والكذب والزور، ويذمون أهل الحق والصدق، ويدافعون عن المبطلين
والمفتونين والعصاة.
قال
تعالى: { فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ
إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم:
29، 30]
قال
الإمام ابن كثير رحمه الله: "وَقَوْلُهُ: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} أَيْ: أعرِضْ عَنِ
الَّذِي أعرَضَ عَنِ الْحَقِّ وَاهْجُرْهُ.
وَقَوْلُهُ:
{وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أَيْ: وَإِنَّمَا أَكْثَرُ هَمِّهِ وَمَبْلَغُ عِلْمِهِ الدُّنْيَا، فَذَاكَ
هُوَ غَايَةُ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}
أَيْ: طَلَبُ الدُّنْيَا وَالسَّعْيُ لَهَا هُوَ غَايَةُ مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ.
اهـــ
ويقول
سبحانه وتعالى: {وإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ
عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ
فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [الأنعام: 68]
قال
الإمام الشوكاني في "فتح
القدير "(2 / 146) :
وَفِي
هَذِهِ الْآيَةِ مَوْعِظَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَنْ يَتَسَمَّحُ بِمُجَالَسَةِ الْمُبْتَدِعَةِ
الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ كَلَامَ الله وَيَتَلَاعَبُونَ بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ،
وَيَرُدُّونَ ذَلِكَ إِلَى أَهْوَائِهِمُ الْمُضِلَّةِ وَبِدَعِهِمُ الْفَاسِدَةِ،
فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَيُغَيِّرْ مَا هُمْ فِيهِ فَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ
أَنْ يَتْرُكَ مُجَالَسَتَهُمْ، وَذَلِكَ يَسِيرٌ عَلَيْهِ غَيْرُ عَسِيرٍ. وَقَدْ
يَجْعَلُونَ حُضُورَهُ مَعَهُمْ مَعَ تَنَزُّهِهِ عَمَّا يَتَلَبَّسُونَ بِهِ شُبْهَةً
يُشَبِّهُونَ بِهَا عَلَى الْعَامَّةِ، فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ مَفْسَدَةٌ زَائِدَةٌ
عَلَى مُجَرَّدِ سَمَاعِ الْمُنْكَرِ.
وَقَدْ
شَاهَدْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَجَالِسِ الْمَلْعُونَةِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ،
وَقُمْنَا فِي نُصْرَةِ الْحَقِّ وَدَفْعِ الْبَاطِلِ بِمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَبَلَغَتْ
إِلَيْهِ طَاقَتُنَا، وَمَنْ عَرَفَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا
عَلِمَ أَنْ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ فِيهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ
أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا فِي مُجَالَسَةِ مَنْ يَعْصِي الله بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ،
وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ غَيْرَ رَاسِخِ الْقَدَمِ فِي عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَذِبَاتِهِمْ وَهَذَيَانِهِمْ مَا هُوَ
مِنَ الْبُطْلَانِ بِأَوْضَحِ مَكَانٍ، فَيَنْقَدِحُ فِي قَلْبِهِ، مَا يَصْعُبُ عِلَاجُهُ
وَيَعْسُرُ دَفْعُهُ فَيَعْمَلُ بِذَلِكَ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَيَلْقَى الله بِهِ مُعْتَقِدًا
أَنَّهُ من الحق وهو الْبَاطِلِ وَأَنْكَرِ الْمُنْكَرِ . اهـــ
وقال
أبو قلابة رحمه الله:" لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن
يغمسوكم في الضلالة، أو يَلْبِسوا عليكم في الدين بعض ما لَبَس عليهم" [أخرجه
الآجري في الشريعة 1/453-436].
وكان
ابن طاووس رحمه الله جالسا فجاء رجل من المعتزلة، قال: فجعل يتكلم، قال: فأدخل ابن
طاووس إصبعيه في أذنيه قال: وقال لابنه: أي بني، أدخل إصبعيك في أذنيك واشدد ولا تسمع
من كلامه شيئاً. قال معمر: يعني أن القلب ضعيف" [أخرجه اللالكائي 1/152].
و
إبراهيم التيمي رحمه الله يقول لرجل تكلم عنده بالإرجاء : إذا قمت من عندنا فلا تعد
إلينا. اهــ "الآداب الشرعية لابن مفلح"( 250/1) .
وقال
أبو الجوزاء رحمه الله:" لأن يجاورني القردة والخنازير في دار أَحبّ إليَّ من
أن يجاورني رجل من أهل الأهواء" [أخرجه ابن بطة في الكبرى 2/476].
وقال
الإمام أحمد-رحمه الله- :" تجنبوا أصحاب الجدال والكلام، عليكم بالسنن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم؛
فإنّهم كانوا يكرهون الكلام والخوض في أهل البدع والجلوس معهم، وإنما السلامة في ترك
هذا، لم نؤمر بالجدال والخصومات مع أهل الضلالة؛ فإنَّه سلامة له منه "" الإبانة" ( 2/539 ).
وقال
الإمام البغوي رحمه الله:" فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء
والبدع معتقدا، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه، ويتركه حيا وميتا"
[شرح السنة 1/224].
وقال
الإمام البغوي رحمه الله : ((وفيه دليل ( أي حديث كعب بن مالك ) على أن هجران أهل البدع
على التأبيد، وكان رسول صلى الله عليه وسلم خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا
عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين
على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم.)) شرح السنة (1/226-227).
وقال
الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البـدع
مـن جهـة عمان، كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين : (( ومن السنن المأثورة
عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - قدس الله
روحه - التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطّراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب
الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم )) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية
( 3 / 111 ).
وقال
الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-: "والمراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم وترك محبتهم، وموالاتهم
والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك، وهجران أهل البدع واجب لقوله تعالى: (لا
تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم- هجر كعب
بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك)). [شرح لمعة الاعتقاد ص:110].
فهذه
بعض الآثار وأقوال الأئمة في بيان منابذة أهل الأهواء والفتن والزيغ وعدم مجالستهم،
فكيف إذا كان هؤلاء جلساء لك يوميا، وتسمع من كلامهم، وتتناقش معهم، وتسمع وترى من
طعنهم وفجورهم ومعاصيهم، ومازالوا على هذا الحال معك؟! فالأمر أخطر والقلوب ضعيفة
والشبه خطافة.
وأعرف
أخا كان على الجادة وكان ثابتا ثم انحرف ، ماله يا إخوة؟. قالوا: كان يتراسل مع
الحزبيين في الواتساب، ويتجادل معهم شيئا فشيئا حتى انحرف والعياذ بالله.
وبعضهم
يرسل بعض الشبه التي تلقى في مثل هذه المجموعات قد وقعت به، وعلقت في قلبه، فيريد
جوابها.
ويقال:
كما أنك لا تحب بقاء أهل الأهواء في مسجدك
وحلقاتك ودعوتك، وتحذر من مجالسة أهل الأهواء والفتن، فكيف بمثل هذه
المجالسة الطويلة؟؟!!.
وبعضهم اتخذ هذه المجموعات للطعن في السلفيين
باسم السلفيين!!، وفي طلاب العلم والدعاة السلفيين، وهو جالس على أريكته وجواله في
يده، لا علم ولا حلم ولا خلفية ولا روية، وإنما شغال ليلا ونهارا في السلفيين، وفي
مناصرة المبطلين والمفتونين، ويُرسل لنا من كلام هؤلاء ومن شغبهم وطعنهم وفتنتهم
فترى العجب من الجرأة على الباطل والطعن
في السلفيين، وهم فرغ فارغون عاطلون عن العلم والتعليم والدعوة.
إياك وضياع
الأوقات والقيل والقال على الواتساب:
وهذا
مما ابتلي به الكثير عافانا الله وإياهم، ضياع الأوقات والساعات الطويلة في
المتابعة، والنظر في الجهاز، وينتظر متى تصيح صوت الرسائل، وكذلك القيل والقال
وغيره، وأنت مسؤول عن وقتك:
قال
ربنا سبحانه وتعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
(99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا
وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 99، 100]
وعَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ
عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ
مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ» رواه
الترمذي وغيره.
وعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ
وَالفَرَاغُ "رواه البخاري.
وعَنِ
المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " إِنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ،
وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ
المَالِ "متفق عليه.
وعَنْ
ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ
وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ القُبُورِ» فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: «إِذَا أَصْبَحْتَ
فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالمَسَاءِ، وَإِذَا
أَمْسَيْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ
وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي يَا عَبْدَ الله مَا اسْمُكَ
غَدًا» رواه الترمذي وصححه العلامة الألباني.
فضياع
الأوقات مصيبة كبيرة والله، بل بعضهم يحضر عند شيخ من الشيوخ؛ وشيخه يشرح، وهذا
مشغول بالواتساب والمراسلات، فهذا من الحرمان ومن تسلط الشيطان على العبد فيشغله
عن العلم.
هل وجد منك
القرآن والعلم ما وجده منك الواتساب؟:
هذا
سؤال لابد أن يطرحه كل واحد منا على نفسه، ويجيب نفسه بصراحة، ويتذكر قوله تعالى:
{وَقَالَ
الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:
30].
استغل هذه
الخدمة في الدعوة إلى الله:
وهذا
مما ينبغي أن نستغل هذه الخدمة في الدعوة إلى الله ، فأعداء الإسلام من أغراضهم في
هذه الخدمة، ضياع المسلمين، وشتات أوقاتهم، وإدخال الذنوب والمعاصي عليهم، في
ليلهم ونهارهم.
فينبغي
أن نخيب أمالهم ونفشل خططهم، وتكون لنا مثل هذه الخدمة عون بعد الله لنشر الخير،
والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ونشر الإسلام وتعاليمه وأخلاقه الرفيعة، وتعليم
الجاهل، لأنه كما سبق أن أغلب المجتمع يحمل جوالات في يده، وهذه الخدمة في
جوالاتهم، وعوام المسلمين يفرحوا جدا عندما يضاف الواحد إلى مجموعة؛ فيها الخير والبر
والصلاح، ويسعدوا بذلك كثيرا.
وقد
وفق الله الكثير من أهل السنة فجعلوا مجموعات كثيرة مجموعات خير تنشر فيها الدروس
والخطب والمواعظ والإرشادات النافعة المفيدة المثمرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، وكان هذا الفعل الطيب النافع من كثير من الإخوة لما رأى كثيرا من
المهاترات في الواتساب والجدال العقيم.
ونوصي
إخواننا أن تكون لهم مجموعات مخصصة؛ تعتني كل مجموعة بشيء محدد ، فمثلاً مجموعة
خاصة بالعقيدة ومناقشة أمور ومسائل تختص بالعقيدة، وكذلك في الفقه والأصول والنحو
والشعر والبلاغة، والأثار وأقوال السلف والعلماء، والمصطلح، وغيره؛ مجموعات علمية
خاصة بذلك، فمثل هذا لا يستطيع الفارغ والعاطل أن يبقى فيها، لأنه لا يرغب في
العلم والتعليم ، وسيبقى فيها كل محب للخير والنفع، وسيجد الفائدة وبغيته، وسيكون
مرتبطًا بالعلم ليلا ونهاراً خاصة، ولو
كان في رأس جبل و في أسفل وادي، أو في شعب من الشعاب، خاصة في مثل هذه الأوضاع
نسأل الله أن يكشفها عن البلاد والعباد، ومع هذا كما سبق لا يشغل به وإنما يعطيه
قليلا من الوقت.
والدعوة
إلى الله مأمور بها وهي من أحسن الأمور بل أحسنها
يقول
تعالى :{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]
وقال
تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
ويقول
الله تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف:
108].
وعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ
دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ
ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ
الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»
رواه مسلم
لا تشغل عن
إخوانك وأضيافك وأهلك بالواتساب:
وهذا
مما يحدث ويعلم كثيرا؛ أن الرجل إذا جاءه إخوانه أو أضيافه تراه وهم كذلك على الواتساب،
وكل واحد يدخل في عالم آخر!! وفي واقع غير الذي جاء من أجله!! فأجسادهم في المجلس،
وأفكارهم وحواسهم مرتبطة بخارج المجلس، وهذا مما يخل بآداب المجالس، وإكرام الضيوف
والبشاشة في وجوههم، والجلوس معهم؛ ومحادثتهم وتفقدهم والسؤال عن أحوالهم.
فعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه.
وعَنْ
أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ
طَلْقٍ» رواه مسلم.
بل
بعض الأزواج يشغل عن أولاده وزوجته بالواتساب، فلا يعطهم حقهم ولا يرعاهم رعاية
حقيقية، بل بعض النساء يشغلن بالواتساب عن حقوق الزوج ورعاية الأبناء، وهذه واجب
سوف يسأل الجميع عن إضاعته وإهماله
فعن
عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،
فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ
وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ
مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.
كفى بالمرء أن
يحدث بكل ما سمع:
إن
مما يُشاهد ويسمع في الواتساب وغيره، تناقل أخبار من هنا وهناك، ولا يُراعا التأكد
من صحتها وثبوتها، وكذلك هل من المصلحة نشرها في هذا الوقت، وهذا كثير في الواتساب؛
فترى في المجموعات وغيرها تناقل أخبار عن الدعوة السلفية وعن غيرها، وعند تمحيصها
وتتبعها ترى أنها لا أساس لها، حتى إنك تستغرب وتشك أنها بفعل فاعل تعمدها، للتشوش
والاقلاق وغيره، وقد جاء النهي النبوي من رسولنا صلى الله عليه وسلم أن الإنسان
يحدث بكل ما سمع:
فعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ
رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ
بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه مسلم
وقبل
ذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُوا
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ
عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ
مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرًا} [النساء: 94].
فإذا
كان الفاسق يجب التبين من نقله؛ فما بالك بالمجاهيل الذين لا يعرف من هم، ومن أين
جاء هذا الخبر، وما مصدره، ومن قائله.
وكذلك
نشر أخبار لا داعي لها وليس في نشرها مصلحة للدعوة السلفية ولا لحملتها ولا لأهلها.
ومن
العجب ما إن يُنقل خبر مجهول لا يُدرى من قائله إلا وتراه قد بلغ الأفاق!! فالبعض
يعمل نسخ لصق!!، ومن العجيب أن البعض ينشره ثم يقول: بعد أن نشره ما صحة هذا
الخبر؟!.
الخبر
لا إسناد له ولا يعرف من القائل وما مصدره، فهذا يكفي ويغني لعدم الانشغال به
ونشره وإشاعته وتداوله.
وما
أحسن قول الإمام مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، : " كَانُوا لا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ
، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ ، قَالُوا : سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ ، فَنَنْظُرَ
إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَنَأْخُذَ حَدِيثَهُمْ ، وَإِلَى أَهْلِ الْبِدْعَةِ فَلا
نَأْخُذَ حَدِيثَهُمْ " رواه مسلم في
مقدمة صحيحه.
وصاحب
الحق معروف على مدار العصور؛ يكتب وينشر باسمه، أما مقال فيه الطعن والمخالفات؛
وفي الأخير أخوكم المحب !!هكذا من غير اسم!!، فما علمنا هذا إلا من طرق أهل الزيغ
والانحراف، وكم شكى الناصحون من أفعال المجاهيل.
انتبه لأهلك
وأولادك من الواتساب:
وهذا
مما ينبغي الانتباه له كثيرا، فلربما دخل الشر على زوجتك وأولادك من هنا، وأنت لا
تدري، ولربما بعد أيام وإذا بك ترى العجائب في أهلك وأولادك وانتشار المعاصي
والتبرج والأفكار الدخيلة، ولربما تتحول زوجتك من طالبة علم تراجع وتقرأ وتبحث إلى
عامية على الواتساب ومن مجموعة إلى مجموعة تتابع أخبار النساء، وما ينشر في
أوساطهن.
فإياك إياك وتذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ
لَا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]
أكرر
أن هذا نصحا لي أولا، ثم لإخواني السلفيين ثانيا، أسأل الله أن ينفعني إياكم بهذا.
والحمد
لله رب العالمين
كتبه
أبو
حمزة محمد بن حسن السِّوَرِي
كان
الانتهاء منه ظهر الاثنين
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.