الثلاثاء

التنبيه الإلهي على الأدب النبوي في قوله تعالى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}

التنبيه الإلهي على الأدب النبوي

    في قوله تعالى{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}


بسم الرحمن الرحيم

الحمد لله الملك العلام، الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم، أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ورب الأولين والآخرين، وصلى الله على النبي الأمين محمدٍ خير خلق الله أجمعين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فإن كتاب ربنا سبحانه وتعالى فيه الخير والهدى للعباد أجمعين في دنياهم وأخراهم، في عقائدهم وعباداتهم وسلوكهم وأخلاقهم، فهو كتاب يدل  ويرشد إلى الأخلاق الحميدة، ولذلك فقد كان هو خلق النبي صلى الله عليه وسلم.

 وقد سُئِلت أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عائشة رضي الله عنها  عَنْ خُلُقِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ لمن سألها: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» قال: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ». رواه الإمام مسلم رحمه الله.

وإن مما نستفيد منه  لهو أدب جميل من آداب نبينا  صلى الله عليه وسلم كان في يوم الإسراء والمعراج قال الحق جل جلاله{ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17].

 وقد مرت بنا هذه الآية في درس التفسير، تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله مع أخينا المفضال الشيخ محمد القيسي ونبه حفظه الله أن فيها أدبا كبيرا.

قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره": 
" وَقَوْلُهُ: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا ذَهَبَ يَمِينًا وَلَا شَمَالًا {وَمَا طَغَى} مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ.
وَهَذِهِ صِفَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الثَّبَاتِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّهُ مَا فَعَلَ إِلَّا مَا أُمِرَ بِهِ، وَلَا سَأَلَ فَوْقَ مَا أُعْطِيَ.
 وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ النَّاظِمُ:
رأَى جَنَّةَ المَأوَى وَمَا فَوْقَها، وَلَو ... رَأى غَيرُهُ مَا قَد رَآه لتَاهَا ... اهـــــ

 وقد أخرج أثر ابن عباس رضي الله عنهما  ابن جرير الطبري في "تفسيره" (22/ 521): من طريق أبي أحمد الزبيري وابن مهران عن سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا عليه؛ أنه قال : في قوله (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى): ما زاغ يمينا ولا شمالا ولا طغى، ولا جاوز ما أُمر به.


أقول : هذا الأثر  رجاله ثقات غير أن مسلم البطين لم يدرك ابن عباس رضي الله عنهما.
قال أبو حاتم : لم يدرك ابن عباس  كان يروي عن سعيد بن جبير. اهــ. انظر جامع التحصيل(ص280) والمراسيل(ص216)، وتحفة التحصيل(496).

وأخرجه أيضا الحاكم في" مستدركه" (2/ 510) برقم(3749): من طريق أَبُي حُذَيْفَةَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [النجم: 17] قَالَ: «مَا ذَهَبَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا» {وَمَا طَغَى} [النجم: 17] قَالَ: «مَا جَاوَزَ». 

وأبو حذيفة هو موسى بن مسعود النهدي، سيء الحفظ، وفي روايته عن سفيان كلام، وقد سلك الجادة ؛فرواه كما ترى عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس، وخالفه كما سبق أبو أحمد الزبيري وابن مهران في سفيان؛ فجعلوه عن سفيان  عن منصور عن مسلم عن ابن عباس؛ وروايتهما أرجح من أبي حذيفة ، وهذا فيما اطلعنا عليه من أسانيد والله أعلم.

فالأثر سواء ثبت أم لم يثبت؛ إلا أن معناه المتبادر والظاهر من الآية، وهو الذي فهمه المفسرون، وساورا عليه كما سيأتي في كلام ابن القيم رحمه الله وسار عليه العلماء كما سيأتي.


أقوال العلماء في بيان هذا الأدب العظيم من نبينا صلى الله عليه وسلم

قال الحافظ ابن جرير رحمه الله في "تفسيره" (22/ 520):"

القول في تأويل قوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) }
يقول تعالى ذكره: ما مال بصر محمد يَعْدِل يمينا وشمالا عما رأى، أي ولا جاوز ما أمر به قطعا، يقول: فارتفع عن الحدّ الذي حُدّ له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. اهـــ.

 وقال الإمام البغوي رحمه الله في "تفسيره" (7/ 406):
"{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} أَيْ: مَا مَالَ بَصَرُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَمَا طَغَى، أَيْ مَا جَاوَزَ مَا رَأَى. وَقِيلَ: مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا وَصْفُ أَدَبِهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ إِذْ لَمْ يَلْتَفِتْ جَانِبًا.". اهـــ.

 وقال الإمام القرطبي رحمه الله في "تفسيره: (17/ 97):
"قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَا عَدَلَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَلَا تَجَاوَزَ الْحَدَّ الَّذِي رَأَى. وَقِيلَ: مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقِيلَ: لَمْ يَمُدَّ بصره إلى غير ما رأى مِنَ الْآيَاتِ. وَهَذَا وَصْفُ أَدَبٍ لِلنَّبِيِّ  صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، إِذْ لَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. اهـــ.

وقال ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية"(3/ 139):
"(مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طغى) أَيْ مَا زَاغَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَلَا ارْتَفَعَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي حدَّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ.
وَهَذَا هُوَ الثَّبَاتُ الْعَظِيمُ وَالْأَدَبُ الْكَرِيمُ اهـــ

قال الملاء علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (2/ 810):
"{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] وَذَكَرَ شَأْنَ قُرْبِهِ مِنَ الله تَعَالَى، وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى، وَأَنَّهُ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ الْعُظْمَى. اهــ

وقال ابن القيم رحمه الله في "التبيان في أقسام القرآن" (ص: 261)

"وقوله تعالى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} قال ابن عباس ما زاغ البصر يميناً ولا شمالاً ولا جاوز ما أمر به وعلى هذا المفسرون فنفى عن نبيه ما يعرض للرائي الذي لا أدب له بين يدي الملوك والعظماء من التفاتة يميناً وشمالاً ومجاوزة بصره لما بين يديه وأخبر عنه بكمال الأدب في ذلك المقام وفي تلك الحضرة إذ لم يلتفت جانباً ولم يمد بصره إلى غير ما أرى من الآيات وما هناك من العجائب بل قام مقام العبد الذي أوجب أدبه وإطراقه وإقباله على ما أرى دون التفاته إلى غيره ودون تطلعه إلى ما لم يره مع ما في ذلك من ثبات الجأش وسكون القلب وطمأنينته وهذا غاية الكمال وزيغ البصر التفاته جانباً وطغيانه مده أمامه إلى حيث ينتهي فنزه في هذه السورة علمه عن الضلال وقصده وعمله عن الغي ونطقه عن الهوى وفؤاده عن تكذيب بصره وبصره عن الزيغ والطغيان وهكذا يكون المدح:
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيباً بماء فعادا بعد أبوالا اهــــ


وقال ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (ص: 263):
"فصل ومنها إغضاؤه عند نظر محبوبه إليه ورميه بطرفه نحو الأرض وذلك من مهابته له وحيائه منه وعظمته في صدره ولهذا يستهجن الملوك من يخاطبهم وهو يحد النظر إليهم بل يكون خافض الطرف إلى الأرض قال الله تعالى مخبرا عن كمال أدب رسوله في ليلة الإسراء {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} وهذا غاية الأدب فإن البصر لم يزغ يمينا ولا شمالا ولا طمح متجاوزا إلى ما هو رائيه ومقبل عليه كالمتشارف إلى ما وراء ذلك ولهذا اشتد نهي النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي أن يزيغ بصره إلى السماء وتوعدهم على ذلك بخطف أبصارهم إذ هذا من كمال الأدب مع من المصلي واقف بين يديه بل ينبغي له أن يقف ناكس الرأس مطرقا إلى الأرض ولولا أن عظمة رب العالمين سبحانه فوق سماواته على عرشه لم يكن فرق بين النظر إلى فوق أو إلى أسفل اهــــ.

وقال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (2/ 361)

[فَصْلٌ وَصْفٌ لِأَدَبِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فَصْلٌ:
وَجَرَتْ عَادَةُ الْقَوْمِ: أَنْ يَذْكُرُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلَهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أَرَاهُ مَا أَرَاهُ: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] وَأَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ صَدَّرَ بَابُ الْأَدَبِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ.
وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّ هَذَا وَصْفٌ لِأَدَبِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ. إِذْ لَمْ يَلْتَفِتْ جَانِبًا. وَلَا تَجَاوَزَ مَا رَآهُ. وَهَذَا كَمَالُ الْأَدَبِ. وَالْإِخْلَالُ بِهِ: أَنْ يَلْتَفِتَ النَّاظِرُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، أَوْ يَتَطَلَّعَ أَمَامَ الْمَنْظُورِ. فَالِالْتِفَاتُ زَيْغٌ. وَالتَّطَلُّعُ إِلَى مَا أَمَامَ الْمَنْظُورِ: طُغْيَانٌ وَمُجَاوَزَةٌ. فَكَمَالُ إِقْبَالِ النَّاظِرِ عَلَى الْمَنْظُورِ: أَنْ لَا يَصْرِفَ بَصَرَهُ عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً. وَلَا يَتَجَاوَزَهُ.
هَذَا مَعْنَى مَا حَصَّلْتُهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ الله رُوحَهُ. اهـــ


وقال السعدي رحمه الله في "تفسيره" (ص: 819):

"{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} أي: ما زاغ يمنة ولا يسرة عن مقصوده {وَمَا طَغَى} أي: وما تجاوز البصر، وهذا كمال الأدب منه صلوات الله وسلامه عليه، أن قام مقاما أقامه الله فيه، ولم يقصر عنه ولا تجاوزه ولا حاد عنه
وهذا أكمل ما يكون من الأدب العظيم، الذي فاق فيه الأولين والآخرين، فإن الإخلال يكون بأحد هذه الأمور: إما أن لا يقوم العبد بما أمر به، أو يقوم به على وجه التفريط، أو على وجه الإفراط، أو على وجه الحيدة يمينا وشمالا وهذه الأمور كلها منتفية عنه صلى الله عليه وسلم. اهـــ

قال العلامة العثيمين في " القاء الباب المفتوح (168/ 9)، بترقيم الشاملة آليا)
":تفسير قوله تعالى: (ما زاغ البصر وما طغى)
قال تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17] بصر مَن؟! بصر النبي صلى الله عليه وسلم، (وما طغى) يقول العلماء: (زاغ) أي: انحرف يميناً وشمالاً (طغى) : أي: تجاوز أمامه، يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام كان على كمال الأدب في هذا المقام العظيم، لم يلتفت يميناً وشمالاً ولم يتقدم بصره أكثر مما أذن له فيه، وهذا من كمال أدبه عليه الصلاة والسلام، جرت العادة أن الإنسان إذا دخل منزلاً غريباً تجده ينظر يميناً وشمالاً ما هذا المنزل؟! خصوصاً إذا تغير تغيراً عظيماً في هذه اللحظة لابد أن ينظر ما الذي حدث، لكن لكمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم ورباطة جأشه صلوات الله وسلامه عليه وتحمله ما لا يتحمله بشر سواه صار في هذا الأدب العظيم.
(ما زاغ البصر) بصر الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: ما انحرف يميناً ولا شمالاً، (وما طغى) أي: ما تجاوز أمامه، بل كان على غاية من كمال الأدب عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] . وبنحوه في "تفسير سورة النجم"


وقال  العثيمين رحمه الله : "شرح السفارينية" (1/ 550):
"(مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (النجم: 17) ، يعني ما مال البصر وما تجاوز الحد، فهو لم يدر يميناً ولا شمالاً، ولم يتقدم أماماً ولا فوقاً، وذلك لكمال أدبه صلى الله عليه وسلم. اهــ
أقول : كما ترى من أقوال المفسرين والعلماء التنصيص أن هذا أدب من رسولنا صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب الأخلاق الجميلة والصفات النبيلة صلى الله عليه وسلم.

وهذا الأدب الجميل قد تركه الكثير من الناس وخاصة النساء، فما إن يصل الواحد إلى مكان من الأمكنة أو بيت من البيوت، إلا وتراه يحدق ببصره، ويزلقه ذات اليمين وذات الشمال، بل البعض يزيغ ببصره  والعياذ بالله إلى حرمات الناس وأعراضهم، معرضين عن التحذيرات الشرعية عن فعل ذلك، و عقوبة من يفعل ذلك :

 قوله تعالى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } [النور: 30، 31].
ويقول الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [طه: 131].

قال  السعدي رحمه الله في "تفسيره"(ص: 516) :

"أي: لا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين.....اهـــ
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ» ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا» ، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ» متفق عليه.
وعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ رضي الله عنه  قال إن  رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْتَظِرُنِي، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنَيْكَ»
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ قِبَلِ البَصَرِ» متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ» متفق عليه

قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (15 / 380) :
"وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ مُعْتَدٍ بِنَظَرِهِ فَيُدْفَعُ كَمَا يُدْفَعُ سَائِرُ الْبُغَاةِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا لَدُفِعَ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ. وَلَمْ يَجُزْ قَلْعُ عَيْنِهِ ابْتِدَاءً إذَا لَمْ يَذْهَبْ إلَّا بِذَلِكَ وَالنُّصُوصُ تُخَالِفُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ أَبَاحَ أَنْ تَخْذِفَهُ حَتَّى تَفْقَأَ عَيْنَهُ قَبْلَ أَمْرِهِ بِالِانْصِرَافِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تُنْظِرُنِي لَطَعَنْت بِهِ فِي عَيْنِك} فَجَعَلَ نَفْسَ النَّظَرِ مُبِيحًا لِلطَّعْنِ فِي الْعَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَمْرَ لَهُ بِالِانْصِرَافِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاقَبَةِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ جَنَى هَذِهِ الْجِنَايَةَ عَلَى حُرْمَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَلَهُ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ بِالْحَصَى وَالْمِدْرَى وَالنَّظَرُ إلَى الْعَوْرَاتِ حَرَامٌ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} وَفِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} فَإِنَّ الْفَوَاحِشَ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي الْمُبَاشَرَةِ بِالْفَرْجِ أَوْ الدُّبُرِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالنَّظَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ...اهــــ
                                           والحمد لله رب العالمين

كتبه

أبو حمزة محمد بن حسن السِّوَرِي



كان الانتهاء ظهر الثلاثاء 22من ربيع الأول 1436هجرية

حمل المقال من هنا بصيغة بي دي اف


من هنا 


نبذة عن الكاتب

المساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئينالمساعد العربي موقع عربي يهدف إلى نشر تصاميم مجانية لمساعدة المدونين المبتدئين


يمكنك متابعتي على : الفيسبوك

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

^ إلى الأعلى