[التذكير
ببعض فضائل عاشوراء وشهر الله المحرم]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد :
فتذكيرا لما نحن فيه من أيام طيبة أحب أن أذكر نفسي وإخواني ببعض
فضائل هذه الأيام فأقول:
نحن في شهر حرمه الله تعالى
قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً
كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ }
[التوبة : 36]
وعنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «
الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ،
ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ
مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ». متفق عليه
هذا الشهر مرغب فيه الإكثار من
الصيام
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ
الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ» . رواه
مسلم رحمه الله
قال النووي رحمه الله :«أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ»
تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ لِلصَّوْمِ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ
عَنْ إِكْثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْمِ شَعْبَانَ
دُونَ الْمُحَرَّمِ وَذَكَرْنَا فِيهِ جَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا لَعَلَّهُ إِنَّمَا
عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَالثَّانِي لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ
أَعْذَارٌ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» اهــ من « شرح مسلم (8/55)
وقال المباركفوري رحمه الله :« وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ وَلَا يُعَارِضُهُ
حَدِيثُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ لِجَوَازِ
أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ صِيَامُ
الْمُحَرَّمِ وَعِنْدَ تَعْظِيمِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَعْبَانَ وَلَعَلَّ
الْمُرَادَ بِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ تَعْظِيمُ صِيَامِهِ بِأَنْ تَتَعَوَّدَ
النَّفْسُ لَهُ لِئَلَّا يَثْقُلَ عَلَى النَّفْسِ فَتَكْرَهَهُ طَبْعًا وَلِئَلَّا
تُخِلَّ بِآدَابِهِ فَجْأَةُ الصِّيَامِ» اهــ من «تحفة الأحوذي» (3/ 265)
هذا الشهر فيه يوم عظيم حث
النبي صلى الله عليه وسلم على صيامه
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي
تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى
وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ
نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ
أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» متفق عليه
وفي رواية للبخاري « هَذَا يَوْمٌ
صَالِحٌ » .
وفي رواية للبخاري:« فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَصْحَابِهِ: «أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوا».
وفي رواية:« فَنَحْنُ نَصُومُهُ
تَعْظِيمًا لَهُ» متفق عليه.
قال العلامة السندي رحمه الله :« قوله : «فأنا
أحق بموسى منكم» لقوله تعالى : {فبهداهم اقتده}. وعلم بهذا أن المطلوب منه
الموافقة لموسى لا الموافقة لليهود فلا يشكل أنه يجب مخالفة اليهود لا موافقتهم
على أنه كان في أول الأمر يجب موافقتهم لتأليفهم ثم علم منهم إصرارهم على الكفر
وعدم التأثير للتأليف فيهم ترك موافقتهم ومال إلى مخالفتهم ، ولهذا عزم على
المخالفة في آخر الأمر بضم اليوم الثاني إلى صوم عاشوراء كما ثبت والله تعالى أعلم».
«حاشية السندي على صحيح البخاري» (1/ 262)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا اليَوْمَ،
يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ» متفقع عليه
قال الشيرازي رحمه الله «قوله: «يتحرَّى صيامَ يومٍ فضَّلَه» بدل من قوله: «صيام يوم»،
والتقدير: يتحرَّى فضلَ صيامِ يومٍ على غيره، و «التحرِّي»: طلبُ الصوابِ
والمبالغةُ في طلبِ شيءٍ؛ يعني: ما رأيتُه يُبالغ في تفضيل صومِ يومٍ على يوم إلا
عاشوراءَ ورمضانَ؛ فإنه - عليه السلام - فضَّل صومَ هذه الأيام على صوم غيرها.
أما صومُ رمضانَ فلأنه مفروضٌ، وأما عاشوراء فإنها كانت فريضةً في
أول الإسلام، ثم نُسخت فرضيتُها ووجبَ فرضيةُ رمضانَ، ولا شك أن السُّنةَ التي
كانت فريضةً ثم نُسخت فرضيتُها أفضلُ من سُنَّةٍ لم تكن فرضًا قطُّ.» اهــ « المفاتيح في شرح
المصابيح» (3/ 37)
هذا اليوم كان أهل الجاهلية يصومونه
أيضا
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «كَانَ يَوْمًا يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ أَحَبَّ
مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَرِهَ فَلْيَدَعْهُ» متفق عليه
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :« قال القرطبي
لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم وصوم رسول الله صلى الله
عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج أو أذن الله له في صيامه
على أنه فعل خير فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل
ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم ويحتمل غير ذلك
وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي
يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه»اهـ « فتح الباري» (4/ 248)
هذا اليوم هو العاشر من محرم
في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صام عاشوراء؛ أي اليوم
العاشر، وقال «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» رواه مسلم
رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وعاشوراء أي اليوم العاشر، وتاسوعاء أي التاسع.
قال ابن الأثير رحمه الله في «النهاية» (1/ 189):« فِيهِ «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قابِل لأصُومنّ تَاسُوعَاء» هُوَ
الْيَوْمُ التَّاسِع مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ كرَاهةً
لِمُوَافقة الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ
الْعَاشِرُ، فَأَرَادَ أنْ يُخالفَهم وَيَصُومَ التَّاسِعَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ:
أَرَادَ بِتَاسوعاء عَاشُورَاءَ؛ كَأَنَّهُ تَأَوَّلَ فِيهِ عِشْر وِرْد
الْإِبِلِ، تَقُولُ العربُ:
وردَت الْإِبِلُ عِشْرا إِذَا وَرَدَتِ الْيَوْمَ التَّاسِعَ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ
يدلُّ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ وَهُوَ
الْيَوْمُ الْعَاشِرُ. ثُمَّ قَالَ «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ
تَاسُوعَاءَ» فَكَيْفَ يَعِدُ بِصَوْمِ يومٍ قَدْ كَانَ يَصُومُهُ!». اهــ
وقال الإمام النووي رحمه الله : « وَذَهَبَ
جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ
الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَخَلَائِقُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ» اهــ «شرح مسلم»
(8 / 12) .
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله:« إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ
عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ...» اهــ «المغني» (3/ 177)
وجاء عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمُ عَاشِرٍ» رواه الترمذي رحمه الله
قال شيخنا الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى :«الحديث إذا نظرت إلى سنده وجدتهم رجال الصحيح، ولكنه منقطع،
الحسن لم يسمع من ابن عباس كما في «جامع التحصيل» عن أحمد ويحيى وبهز بن أسد وابن
المديني. وفي «عون المعبود» أن أصحاب الأطراف حملوا قول الترمذي: حسن صحيح على
حديث قبله لابن عباس». اهــ « أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (ص: 207)
ولكن الحديث مع ما في الباب يصلح، وقد صححه الإمام الألباني رحمه الله
«صحيح»
صيام عاشوراء سبب لتكفير
الذنوب
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَصِيَامُ يَوْمِ
عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»
.رواه مسلم
قال الملا علي القاري رحمه الله :« فِي
النِّهَايَةِ: الِاحْتِسَابُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ هُوَ الْبِدَارُ إِلَى
طَلَبِ الْأَجْرِ وَتَحْصِيلِهِ بِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقِيَامِ
بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْسُومِ فِيهَا طَلَبًا لِلثَّوَابِ الْمَرْجُوِّ
فِيهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ أَرْجُو مِنَ الله أَنْ
يَكَفِّرَ فَوَضَعَ مَوْضِعَهُ أَحْتَسِبُ وَعَدَّاهُ بِعَلَى الَّذِي لِلْوُجُوبِ
عَلَى سَبِيلِ الْوَعْدِ مُبَالَغَةً لِحُصُولِ الثَّوَابِ» اهــ« مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح» (4/ 1415)
قال العلامة المباركفوري رحمه الله:« قَوْلُهُ «إِنِّي
أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» فَإِنْ قِيلَ
مَا وَجْهُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ
وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ
الَّتِي بَعْدَهُ قِيلَ وَجْهُهُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ شَرِيعَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ
شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا
إِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً وَإِنَّ صِيَامَ
عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ
وَظَاهِرٌ أَنَّ صِيَامَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ
عَاشُورَاءَ وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ
مَنْسُوبَةٌ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَوْمَ عَرَفَةَ مَنْسُوبٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ انْتَهَى والله
تَعَالَى أَعْلَمُ» اهـ من «تحفة الأحوذي» (3/ 379)
ويستحب إضافة صيام التاسع مع العاشر مخالفة لليهود
عن عَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله إِنَّهُ
يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ الله صُمْنَا
الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى
تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». رواه مسلم رحمه الله
قال النووي رحمه الله: «قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ
صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ جَمِيعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَامَ الْعَاشِرَ وَنَوَى صِيَامَ التَّاسِعِ وَقَدْ سَبَقَ في صَحِيحِ
مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ
رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَلَعَلَّ
السَّبَبَ فِي صَوْمِ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ أَنْ لَا يَتَشَبَّهَ
بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَادِ الْعَاشِرِ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا
وَقِيلَ لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِ عَاشُورَاءَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَالله
أَعْلَمُ »اهــ من «شرح مسلم» (8 / 12).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : « وهم بصوم
التاسع فمات قبل ذلك ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل
يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح
وبه يشعر بعض روايات مسلم ولأحمد من وجه آخر عن بن عباس مرفوعا صوموا يوم عاشوراء
وخالفوا اليهود صوموا يوما قبله أو يوما بعده وهذا كان في آخر الأمر وقد كان صلى الله
عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما
يخالف فيه أهل الأوثان فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب
أيضا كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك فوافقهم أو لا وقال« نحن أحق بموسى منكم» ثم
أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم ويؤيده رواية
الترمذي من طريق أخرى بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم
العاشر» اهــ« فتح الباري»(4/ 245)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :« وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ كَانَ صَوْمُ ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَاجِبًا؟ أَوْ مُسْتَحَبًّا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ
أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا، ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَصُومُهُ
مَنْ يَصُومُهُ اسْتِحْبَابًا، وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْعَامَّةَ بِصِيَامِهِ، بَلْ كَانَ يَقُولُ: «هَذَا يَوْمُ
عَاشُورَاءَ، وَأَنَا صَائِمٌ فِيهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَ» . وَقَالَ: «صَوْمُ
عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ» .
«وَلَمَّا كَانَ آخِرُ عُمْرِهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَلَغَهُ
أَنَّ الْيَهُودَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، قَالَ: لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ
لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» اهــ« الفتاوى الكبرى» (1 / 202)
لا يصام الحادي عشر عوضا عن
التاسع.
جاء في حديث رواه أحمد في «مسنده»(4 / 52) :فقال :حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى،
عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « صُومُوا يَوْمَ
عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ
بَعْدَهُ يَوْمًا »
وأخرجه الحميدي (485) وابن خزيمة( 2095)، والبيهقي(4/287) وغيرهم
وفي سنده محمد بن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ جدا قاله
الحافظ، وقال الهيثمي في «المجمع» (3/ 188 - 189): «وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه
كلام». اهـ
وداود بن علي الهاشمي ليس بحجة وقد تفرد بها الحديث
قال الإمام البزار رحمه الله في «البحر الزخار» (11/ 399):«وهذا الحديث قد روي عن ابن عباس من وجوه، ولا نعلم روي عن ابن
عباس، ولا عن غير ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصام قبله يوما
وبعده يوما إلا في حديث داود بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس، وقد تقدم ذكرنا لداود».
وقال الإمام الذهبي رحمه
الله في «سير النبلاء» (5/ 444) في ترجمة داود بن علي: «ما هو بحجة،.. ولم يُقدِمْ أولو النَّقد
على تليين هذا الضَرْب لدولتهم». اهـ.
وقد أورد الإمام الذهبي في «الميزان» (13/2) هذا الحديث من منكرات داود بن علي. فقال: ليس بحجة، قال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب، إنما يحدث بحديث واحد،
هكذا روى عثمان بن سعيد، عن ابن معين، وإلا فداود قد ساق له ابن عدي جملة أحاديث.
وقد روى عن أبيه بضعة عشر حديثاً، من ذلك: هشيم، عن ابن أبي ليلى،
عن داود بن علي....(ثم ذكر منها) عن أبيه عن جده ابن عباس - مرفوعاً: «صوموا عاشوراء، وخالفوا فيه
اليهود، صوموا قبله يوما وبعده يوما. » اهــ
وقال الشوكاني رحمه الله في «نيل الأوطار» (4 / 289) :«رِوَايَةُ أَحْمَدَ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ طَرِيقِ
دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ أَبِي
لَيْلَى» اهــ
وضعفه الألباني رحمه الله في «ضعيف الجامع» رقم (3508) .
وقال الإمام الألباني رحمه الله في « الضعيفة » (9/ 288):« - (لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده. يوم عاشوراء) .
منكر بهذا التمام، أخرجه
البيهقي في "السنن" (4/ 287) عن ابن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه،
عن جده مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ داود هو ابن علي بن عبد الله بن عباس، وهو
مقبول عند الحافظ. وابن أبي ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن -؛ ضعيف سيء الحفظ.
وقد روي عنه بلفظ: «صوموا يوماً قبله، ويوماً بعده" ليس فيه:
"لئن بقيت ... »، وهو مخرج في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 89) .
وذكر اليوم الذي بعده منكر فيه؛ مخالف لحديث ابن عباس الصحيح بلفظ:«
لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع». أخرجه مسلم، والبيهقي، وغيرهما» اهــ.
وقال شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله جوابا عن : حكم صيام يوم قبل يوم عاشوراء
ويومًا بعده
السؤال: هل ورد في صوم عاشوراء حديث: «صوموا يومًا قبله أو يومًا
بعده»؟
الإجابة: لا أعرف حديثًا ثابتًا في هذا التعيين، وإنما قال النبي:
«لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» رواه مسلم رقم (١١٣٤)، عزم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أن يصوم التاسع قبل العاشر، أما بعده فتحري ذلك ليس من السنة.» «أسئلة
أهل السنة بتاربة بسيئون، بتاريخ: ليلة السبت ٣ جمادى الأولى ١٤٢٣ه.. دماج - دار
الحديث» اهــ.
أقول : هذا لا يثبت، وهو
أيضا مخالف لترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقوله، فقد كان بإمكانه صلى الله
عليه وسلم صيام الحادي عشر ليقرر المخالفة به لكن تركه، وقال: «لَئِنْ بَقِيتُ
إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»، فتقريره المخالفة بصوم التاسع في القابل،
يخالف هذا الحديث الضعيف. والله أعلم
إياك وأفعال لا دليل عليها في
عاشوراء
سئل شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية رحمه الله رحمه الله :«عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ
الْكُحْلِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْحِنَّاءِ. وَالْمُصَافَحَةِ وَطَبْخِ الْحُبُوبِ
وَإِظْهَارِ السُّرُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ: فَهَلْ وَرَدَ فِي
ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ؟ أَمْ
لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ
فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً أَمْ لَا؟ وَمَا تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ
الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّدْبِ
وَالنِّيَاحَةِ وَقِرَاءَةِ الْمَصْرُوعِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ. هَلْ لِذَلِكَ
أَصْلٌ؟ أَمْ لَا؟.
فأجاب: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَمْ يَرِدْ فِي
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ
الْمُسْلِمِينَ. لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ. وَلَا رَوَى
أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ. فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَا صَحِيحًا
وَلَا ضَعِيفًا لَا فِي كُتُبِ الصَّحِيح وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ
وَلَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ
الْفَاضِلَةِ. وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ
مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ مِنْ
ذَلِكَ الْعَامِ وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ
الْعَامَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَرَوَوْا فَضَائِلَ فِي صَلَاةِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ
وَرَوَوْا أَنَّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَوْبَةَ آدَمَ وَاسْتِوَاءَ السَّفِينَةِ
عَلَى الْجُودِيِّ وَرَدَّ يُوسُفُ عَلَى يَعْقُوبَ وَإِنْجَاءَ إبْرَاهِيمَ مِنْ
النَّارِ وَفِدَاءَ الذَّبِيح بِالْكَبْشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ
مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ
مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ الله عَلَيْهِ سَائِرَ
السَّنَةِ} .
وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَذِبٌ» اهــ .«مجموع الفتاوى(25/299)ِ
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :« فمن البدع في العبادات: إحداث أعياد واحتفالات لم يشرعها الله
ولا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما فعلتها الأمم الأخرى كاليهود
والنصارى، أو فارس والروم، ونحوهم، كالاحتفال بيوم عاشوراء، وبالمولد النبوي،
وبليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وإحداث صلوات لم يشرعها الله،
كصلاة الرغائب، وتخصيص ليالٍ وأيام بعينها بعبادة معتادة، كأول خميس من رجب، وليلة
أول جمعة وليلة النصف منه، وكالرهبنة، والسياحة لغير قصد مشروع أو مباح، والغلو في
الدين » اهــ من «اقتضاء الصراط المستقيم»(1/40)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :« فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ
الشَّيْطَانُ لِأَهْلِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ
مَأْتَمًا، وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَإِنْشَادِ
قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ
وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ،
وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ
الْإِسْلَامِ، وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ،
وَكَثْرَةُ الْكَذِبِ وَالْفِتَنِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَعْرِفْ طَوَائِفُ
الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ كَذِبًا وَفِتَنًا وَمُعَاوَنَةً لِلْكُفَّارِ عَلَى أَهْلِ
الْإِسْلَامِ، مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الضَّالَّةِ الْغَاوِيَةِ، فَإِنَّهُمْ
شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ. وَأُولَئِكَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ -
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ
أَهْلَ الْأَوْثَانِ» .
وَهَؤُلَاءِ يُعَاوِنُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَعَانُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ
التُّرْكِ وَالتَّتَارِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ بِبَغْدَادَ، وَغَيْرِهَا، بِأَهْلِ
بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَلَدِ الْعَبَّاسِ، وَغَيْرِهِمْ
مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُؤْمِنِينَ، مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ
الدِّيَارِ. وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا
يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ.
فَعَارَضَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ إمَّا مِنْ النَّوَاصِبِ
الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِمَّا مِنْ
الْجُهَّالِ الَّذِينَ قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ، وَالْكَذِبَ
بِالْكَذِبِ، وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ، وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ، فَوَضَعُوا
الْآثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ
كَالِاكْتِحَالِ وَالِاخْتِضَابِ، وَتَوْسِيعِ النَّفَقَاتِ عَلَى الْعِيَالِ،
وَطَبْخِ الْأَطْعِمَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا
يُفْعَلُ فِي الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ، فَصَارَ هَؤُلَاءِ يَتَّخِذُونَ يَوْمَ
عَاشُورَاءَ مَوْسِمًا كَمَوَاسِمِ الْأَعْيَادِ وَالْأَفْرَاحِ. وَأُولَئِكَ
يَتَّخِذُونَهُ مَأْتَمًا يُقِيمُونَ فِيهِ الْأَحْزَانَ وَالْأَتْرَاحَ وَكِلَا
الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ
أَسْوَأَ قَصْدًا وَأَعْظَمَ جَهْلًا، وَأَظْهَرَ ظُلْمًا، لَكِنَّ الله أَمَرَ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «إنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا،
فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي،
تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ
وَمُحَدِّثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» اهـ. «الفتاوى
الكبرى(1/201)
والحمد لله رب العالمين
كتبه
أبو حمزة محمد بن حسن السوري
الجمعة 7من شهر الله المحرم
1436هجرية
تمت الزيادة فيه يوم الثامن من محرم
1438 هجرية
مكة المكرمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.