الخميس

الحزبية ليست مصطلحا عصريا


الحزبية ليست مصطلحا عصريا

بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد:
فنسمع من يقول عبروا بالبدعة، ولا تعبروا بالحزبية، فقولوا مبتدعة ولا تقولوا حزبيين، فلم يكن يعرف هذا عند العلماء المتقدمين ذلك!.
ونقول هذا كلام غير صحيح:
فربنا سبحانه وتعالى يقول :{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [المؤمنون: 53].
وقال تعالى : {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [هود: 17].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } [الرعد: 36].
وقال تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: 37].
وقال تعالى:{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 20].
وقال الله تعالى :{ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } [الأحزاب: 22].
وقال تعالى : {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ} [ص: 10، 11].
 وقال الله تعالى :{وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} [ص: 13].
وقال تعالى : {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ } [غافر: 30].
وقال تعالى : {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [الزخرف: 65].
 قال الأزهري في "تهذيب اللغة" (4/ 216): " حزب: قَالَ اللَّيْث: حَزَبَ الأمرُ فَهُوَ يَحْزُب حَزْباً إِذا نَابَكَ فَقَد حَزَبَك.
قَالَ: والحِزْبُ: أصحابُ الرجل مَعَه على رَأْيه، والمنافقون والكافرون حِزْبُ الشَّيْطَان، وكل قوم تَشَاكلت قُلُوبهم وأعمالهم فهم أَحْزَاب وَإِن لم يَلْقَ بعضُهم بَعْضًا بِمَنْزِلَة عادٍ وَثَمُود وَفرْعَوْن أُولَئِكَ الْأَحْزَاب. و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 53) أَي كُلُّ طَائِفَة: هَواهُم واحدٌ.
وتَحَزَّبَ القومُ إِذا تَجَمَّعُوا فصاروا أَحْزَاباً.
وحَزَّبَ فلانٌ أَحْزَاباً أَي جمعهم،
وَقَالَ رؤبة:
لَقَدْ وَجَدتُ مُصْعَباً مُسْتَصْعَبا***** حِينَ رَمَى الأَحْزَابَ والمُحَزِّبا".اهـ
وقال الرازي في "مختار الصحاح" (ص: 71):" وَ (الْحِزْبُ) أَيْضًا الطَّائِفَةُ. وَ (تَحَزَّبُوا) تَجَمَّعُوا. وَ (الْأَحْزَابُ) الطَّوَائِفُ الَّتِي تَجْتَمِعُ عَلَى مُحَارَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ". اهـ.
وقال ابن منظور في "لسان العرب" (1/ 308):" حزب: الحِزْبُ: جَماعةُ الناسِ، وَالْجَمْعُ أَحْزابٌ؛ والأَحْزابُ: جُنودُ الكُفَّار، تأَلَّبوا وَتَظَاهَرُوا عَلَى حِزبْ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ: قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَبَنُو قُرَيْظَةَ. وَقَوْلُهُ تعالى: {يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ} [غافر: 30]
 الأَحزابُ هَاهُنَا: قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَمَنْ أُهلك بَعْدَهُمْ. وحِزْبُ الرَّجُلِ: أَصْحابُه وجُنْدُه الَّذِينَ عَلَى رأْيِه، والجَمْعُ كَالْجَمْعِ. والمُنافِقُونَ والكافِرُونَ حِزْبُ الشّيطانِ، وَكُلُّ قَوْمٍ تَشاكَلَتْ قُلُوبهُم وأَعْمالُهم فَهُمْ أَحْزابٌ، وَإِنْ لَمْ يَلْقَ بعضُهم بَعْضاً بِمَنْزِلَةِ عادٍ وَثُمودَ وفِرعَوْنَ أُولئِكَ الْأَحْزابُ. وكُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ: كلُّ طائفةٍ هَواهُم واحدٌ". اهـ
وقال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في "تفسيره" (6/ 162):" القول في تأويل قوله: {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: وأنزل الفصْل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزابُ وأهلُ الملل في أمر عيسى وغيره ".اهـ
 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (11/ 92): " وَأَمَّا " رَأْسُ الْحِزْبِ " فَإِنَّهُ رَأْسُ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَتَحَزَّبُ أَيْ تَصِيرُ حِزْبًا فَإِنْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى مَا أَمَرَ الله بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ لَهُمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ. وَإِنْ كَانُوا قَدْ زَادُوا فِي ذَلِكَ وَنَقَصُوا مِثْلَ التَّعَصُّبِ لِمَنْ دَخَلَ فِي حِزْبِهِمْ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي حِزْبِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَهَذَا مِنْ التَّفَرُّقِ الَّذِي ذَمَّهُ الله تَعَالَى وَرَسُولُهُ فَإِنَّ الله وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف وَنَهَيَا عَنْ التَّفْرِقَةِ وَالِاخْتِلَافِ وَأَمَرَا بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَنَهَيَا عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا} وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ" .اهــ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في " مجموع الفتاوى" (14/ 371) :" فَذَمَّ الله سُبْحَانَهُ حِزْبَيْنِ: حِزْبًا لَا يَدْعُونَهُ فِي الضَّرَّاءِ. وَلَا يَتُوبُونَ إلَيْهِ. وَحِزْبًا يَدْعُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إلَيْهِ وَيَتُوبُونَ إلَيْهِ. فَإِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْهُمْ: أَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَشْرَكُوا بِهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ مِنْ الْأَنْدَادِ مِنْ دُونِهِ.
 فَهَذَا الْحِزْبُ نَوْعَانِ - كَالْمُعَطِّلَةِ وَالْمُشْرِكَةِ - حِزْبٌ إذَا نَزَلَ بِهِمْ الضُّرُّ لَمْ يَدْعُوا الله وَلَمْ يَتَضَرَّعُوا إلَيْهِ وَلَمْ يَتُوبُوا إلَيْهِ كَمَا قَالَ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} {فَلَوْلَا إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وَحِزْبٌ يَتَضَرَّعُونَ إلَيْهِ فِي حَالِ الضَّرَّاءِ. وَيَتُوبُونَ إلَيْهِ. فَإِذَا كَشَفَهَا عَنْهُمْ: أَعْرَضُوا عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} وَقَالَ فِي الْمُشْرِكِينَ مَا تَقَدَّمَ {ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}...".اهـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين " (2/ 209):" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ جِبْرِيلُ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [هود: 17] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْأَحْزَابُ الْمِلَلُ ". اهـ
وقال الإمام الوادعي رحمه الله في "تحفة المجيب"(ص: 175):جوابا عن " السؤال145: هل عبد الرحمن عبد الخالق مبتدع؟
الجواب: نعم مبتدع، مادام يدعو إلى الحزبية، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا }.
وإذا كان من أهل العلم من يقول: أن المتعصب للمذاهب الأربعة أو لواحد منها يعد مبتدعًا كما ذكره الصنعاني في "إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد" فالتعصب لهذه الحزبيات الساقطة تعتبر بدعة، وكذلك محاربته لإخوانه أهل السنة وتنقصه لهم، واعترافه بالديمقراطية، والذي ينكر على أهل السنة أنّهم لا يقولون بالعمل الجماعي، فهو صاحب هوس، وإلا فمن الذي ينكر العمل الجماعي ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }".اهـ
أقول تبين مما تقدم:
 أن هذا الاصطلاح، وهذا اللفظ ليس بمصطلح عصري، وليس  إطلاقه على أهل البدع والأهواء فيه ما ينتقد، وليست الحزبية مرتبطة ببطاقة عضوية، واستمارة وتسجيل، وإنما هي فكر ورأي وقواعد وتأصيلات يجتمع عليها أصحابها ويتم الولاء والبراء عليها، وهي مخالفة للحق وأهله .

والحمد لله رب العالين
كتبه: أبو حمزة محمد بن حسن السوري
الخميس 11من صفر 1441هجرية
حمل المقال بصيغة بي دي اف


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.