الجمعة

[برآءة المؤمنين من رسم و تصوير سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم]

برآءة المؤمنين
من رسم و تصوير سيد الأنبياء والمرسلين
صلى الله عليه وعلى آله وسلم

بسم الرحمن الرحيم

الحمد  الله الذي شرف نبيه الكريم، و حباه بالمقام العظيم، وجعله أفضل الخلق أجمعين، وميزه على الأنبياء والمرسلين، وحببه إلى عباده المؤمنين  صلى الله عليه وعلى آله وصحبه و المقتدين إلى يوم الدين.

أما بعد:
فبين الحين والآخر يقوم معتد من المعتدين على الجناب النبوي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتارة بالسباب والشتام والسخرية وتارة برسمه وتصويره للناس؛ بأن هذه هي شخصية رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصورته، وتارة بتجسيد شخصيته في أفلام ونحو ذلك، وهذا كله والله من الإهانة والسخرية والاستهزاء والتنقص لرسولنا صلى الله عليه وسلم.
ومن هؤلاء رسام رسم النبي صلى الله عليه وسلم في شكل صورة، وزعم أنه رسم الصورة نقلاً عن خاتم نحت عليه (الراهب بحيرى) صورة النبي صلى الله عليه وسلم  عندما التقاه مع عمه أبي طالب أثناء رحلته إلى الشام.. وقد نشر هذا في الصحف  والمواقع العنكبوتية وغيرها هذه الأيام.

 فأقول : هذا والله عدوان وبغي على رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لزم التنبيه عليه وبيان باطله.

ويظهر بطلانه بعدة أمور:
أولا:  التصوير محرم:
فقد جاءت الأدلة المتكاثرة في تحريم تصوير ذوات الأرواح بأنواعه من رسم وغيره ومن ذلك:
 ما جاء عن عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قالت قَدِمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ وَقَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله» قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ".  متفق عليه.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا قال:  اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى البَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَتُوبُ إِلَى الله وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ "
وَقَالَ: «إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ» متفق عليه.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنه دَارًا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَى أَعْلاَهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ، فقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً». متفق عليه .
وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ، فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ، بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا، نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ» وقَالَ: «إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ» رواه مسلم رحمه الله .
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ»
وعَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ» رواه مسلم رحمه الله.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأُمّ حَبِيبَةَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَتَتَا أَرْضَ الحَبَشَةِ، فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ مِنْهُمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ أُولَئِكِ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ الله» متفق عليه.
وعَبْدَ الله بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ» متفق عليه.
وعن أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: «لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَكَسْبِ البَغِيِّ، وَلَعَنَ المُصَوِّرِينَ» رواه البخاري.

ثانيا:  أن هذا فعل أهل الجاهلية :
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَاتَلَهُمُ الله، أَمَا وَالله لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ» . فَدَخَلَ البَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ" رواه البخاري
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ زَمَنَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ، فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا، فَلَمْ يَدْخُلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مُحِيَتْ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا» رواه أبو داود  برقم (4156)و قال الإمام الألباني صحيح.

أقول: يتضح من الحديثين أنه فعل أهل الجاهلية في تصوير الأنبياء، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل، وأمر بمسح الصور، فكيف إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل الشنيع من هؤلاء الناس.

ثالثا : أن هذا كذب وتلبيس وتغرير بالناس.
وبلا شك أنه كذب مفضوح وتلبيس وتغرير بالناس، وإلا فما الدليل أن هذه صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، ومن أين لهم بها؟ ولم يذكرها أحد من أئمة الإسلام ولا من المؤرخين!! ؟؟.
 ومن رأى هذه الرسمة والصورة، وقارنها بالأدلة العظيمة التي فيها الأوصاف الجميلة لرسولنا صلى الله عليه وسلم وحسن خّلقِه وخُلُقه ، ليعرف كذب هذا الرسام الفاجر وغيره ممن يرسمون ويصورون رسولنا صلى الله عليه وسلم، فيصبح القارئ والسامع لسيرة رسولنا صلى الله عليه  وسلم كلما ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم ، تبادر ذهنه إلى هذه الصورة والرسمة، التي لا مقارنة بينها وبين هذه الأوصاف العظيمة النبيلة لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما جاءت في الأدلة :
فقد قال البَرَاءَ بن عازب رضي الله عنهما كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلاَ بِالقَصِيرِ» متفق عليه.
وقال البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ» رواه البخاري رحمه الله
وقال الْبَرَاءِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ مُتَرَجِّلًا لَمْ أَرَ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ أَحَدًا هُوَ أَجْمَلُ مِنْهُ» رواه النسائي (5314)وصححه الألباني.
وقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه  «مَا شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ، وَلَا مِسْكًا، وَلَا شَيْئًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ دِيبَاجًا، وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» متفق عليه
وفي رواية لمسلم : قَالَ أنس رضي الله عنه   «كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ».

*وفاعل هذا الإجرام داخل تحت قول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ». رواه أبو داود  برقم (3597) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما  وقال الألباني صحيح
فكيف إذا كان هذا المؤمن هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي أثناء كتابتي لهذا المقال وجدت أحد الكتاب أثبت أن هذه الصورة المرسومة باليد ليست للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي رسمة لصورة شاب عربي يقال له محمد  أُخذت  والتقطت له في العشرينات من القرن الماضي، منشورة على إحدى الطوابع البريدية، وجاء بهذه الصورة المرسومة وأصلها-صورة الشاب محمد- التي رسمت عليه، وليست كما يدعي هذا الرسام أنها مأخوذة من خاتم الراهب بحيرى!!.

رابعًا: يؤدي هذا الفعل إلى السخرية والازدراء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
حيث من رأى هذا الرسم  وهذه الصورة يتعجب، أهذا رسول المسلمين بهذه الصورة؟!!، خلافا لما يسمعه من المسلمين من الدعاة والعلماء والكتاب في وصف النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم بعضه، فهذا الفعل مدعاة للسخرية والازدراء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتشويهه.

خامسا: هذا مدعاة للتبرك والعبادة
وهذا معلوم عند الجهال ومن لا يعرف العقيدة الصحيحة ممن قد تنطلي عليه هذه الأكذوبة ؛ أنه ربما كبر هذه الصورة، وعلقها في البيوت، والأماكن، والسيارات وغيرها، لنيل البركة، وجعلوها بالألوان والإطارات المزخرفة وما أشبه ذلك، وربما سجدوا لهذه الصورة وتوسلوا بها ودعوها من دون الله ، وقد بين العلماء قديما وحديثا؛ أن من أسباب تحريم التصوير  أنها وسيلة للوقوع في الشرك والعياذ بالله :
فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه

قال الحافظ ابن حجر  رحمه الله في "الفتح" (1 / 525) :
" وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَوَائِلُهُمْ لِيَتَأَنَّسُوا بِرُؤْيَةِ تِلْكَ الصُّوَرِ وَيَتَذَكَّرُوا أَحْوَالَهُمُ الصَّالِحَةَ فَيَجْتَهِدُوا كَاجْتِهَادِهِمْ ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ جَهِلُوا مُرَادَهُمْ وَوَسْوَسَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ أَسْلَافَكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ وَيُعَظِّمُونَهَا فَعَبَدُوهَا فَحَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ. اهــ

وقال  الحافظ ابن رجب رحمه الله  في "فتح الباري" (3 / 202) :
" هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين، وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراد، فتصوير صور الآدميين محرم، وبناء القبور على المساجد بانفراده محرم كما دلت عليه النصوص. اهــــ

 وقال أيضًا في (3 / 242) :
"وهذا الحَدِيْث: يدل على تحريم التصوير في المساجد المبنية على القبور، والصور التي في البيع والكنائس في معناها؛ لأنها صور مصورة على صور أنبيائهم وصالحيهم للتبرك بها زعمهم -، وكنائسهم وبيعهم منها ما هو على القبور أكابرهم، ومنها ما هو على أسمائهم، فالكل ملتحق بما بنى على القبور في المعنى، فلهذا ذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا الكلام عند ذكر الكنائس، وما فيها من الصور، وكفى بذلك ذما للكنائس المصور فيها، وأنها بيوت ينزل على أهلها الغضب والسخط، فلا ينبغي للمسلم أن يصلي فيها. اهـــ

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله  في "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (2/ 292):
"وتلاعب بهم في تصوير الصور في الكنائس وعبادتها. فلا تجد كنيسة من كنائسهم تخلو عن صورة مريم والمسيح، وجرجس، وبطرس، وغيرهم من القديسين عندهم، والشهداء وأكثرهم يسجدون للصور، ويدعونها من دون الله تعالى حتى لقد كتب بطريق الإسكندرية إلى ملك الروم كتابا يحتج فيه للسجود للصور: بأن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يصور في قُبَّة الزمان صورة الساروس، وبأن سليمان بن داود لما عمل الهيكل عمل صورة الساروس من ذهب، ونصبها داخل الهيكل.
ثم قال في كتابه: وإنما هذا مثال الملك يكتب إلى بعض عماله كتابا، فيأخذه العامل ويقبله ويضعه على عينيه، ويقوم له، لا تعظيما للقرطاس والمداد، بل تعظيما للملك، كذلك السجود للصور تعظيم لاسم ذلك المصور، لا للأصباغ والألوان.
وبهذا المثال بعينه عبدت الأصنام.
وما ذكره هذا المشرك عن موسى وسليمان عليهما السلام لو صح لم يكن فيه دليل على السجود للصور. وغايته: أن يكون بمثابة ما يذكر عن داود: أنه نقش خطيئته في كفه كيلا ينساها. فأين هذا مما يفعله هؤلاء المشركون: من التذلل، والخضوع والسجود بين يدى تلك الصور؟ .اهـــ

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد"(3/ 402)
:[فصل في الصَّلَاةُ فِي الْمَكَانِ الْمُصَوَّرِ]
فَصْلٌ
وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ حَتَّى مُحِيَتِ الصُّوَرُ مِنْهُ. فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمُصَوَّرِ، وَهَذَا أَحَقُّ بِالْكَرَاهَةِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ، إِمَّا لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ النَّجَاسَةِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ بَيْتَ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا مَحَلُّ الصُّوَرِ فَمَظِنَّةُ الشِّرْكِ غَالِبُ شِرْكِ الْأُمَمِ كَانَ مِنْ جِهَةِ الصُّوَرِ وَالْقُبُورِ. اهـــ
فهذا أخطر الأشياء التي قد يؤدي إليه مثل هذا الفعل الشنيع، نسأل الله العافية والسلامة .

* تحذير العلماء من هذا الفعل الشنيع.

وإليك كلام  عدد من العلماء في التحذير من هذا الفعل وذم فاعله بشدة:
 1-قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي
"استنكار المجلس تصوير النبي صلى الله عليه وسلم- وســائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام
الحمد لله وحدهُ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعدَهُ، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد: فإنّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثامنة، المنعقدة في الفترة ما بين 27 ربيع الآخر 1405هـ، و8 جمادى الأولى 1405هـ، قد اطَّلع على الخطاب الموجّه إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز من مكتب الرئاسة في قطر برقم 5021/5، وتاريخ 25 ربيع الأول 1405هـ، ومرفقٌ به كتيِّب فيه صورة مرسومة يزعم صاحبُها أنها صورةٌ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم-، وصورة أخرى يزعم صاحبها أنها صورة لعلي بن أبى طالب  رضى الله عنه-، فأحالها سماحته بموجب خطابه رقم 318/2، وتاريخ 30 ربيع الآخر 1405هـ إلى مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، لإصدار ما يجب حيال ذلك.
وبعد أن اطَّلع المجلس على الصورتين المذكورتين، في دورته الثامنة، المنعقدة في مكة المكرمة بمقر الرابطة قرر ما يلي:
إنَّ مقام النبي صلى الله عليه وسلم- مقام عظيم عند الله تعالى، وعند المسلمين، وإن مكانته السامية، ومنزلته الرفيعة، معلومة من الدين بالضرورة، فقد بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وأرسله إلى خلقه بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وقد رفع ذكرَه، وأعلى قدرَه، وصلَّى عليه وملائكتُه، وأمر المؤمنين بالصلاة والسلام عليه، فهو سيد ولد آدم، وصاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم-.
وإنّ الواجب على المسلمين احترامه، وتقديره، وتعظيمه التعظيم اللائق بمقامه ومنزلته - عليه الصلاة والسلام -.
فإن أي امتهان له، أو تنقُّصٍ من قدره، يعتبر كفرًا، وردّة عن الإسلام، والعياذ بالله تعالى.
وإنّ تخييل شخصه الشريف بالصور، سواءً كانت مرسومة متحركة، أو ثابتة، وسواء كانت ذات جرم وظل، أو ليس لها ظل وجرم، كل ذلك حرام، لا يحل، ولا يجوز شرعًا.
فلا يجوز عمله، أو إقراره لأي غرض من الأغراض، أو مقصدٍ من المقاصد، أو غايةٍ من الغايات، وإنْ قُصد به الامتهان كان كفرًا.
لأنّ في ذلك من المفاسد الكبيرة، والمحاذير الخطيرة شيئًا كثيرًا وكبيرًا.
وأنه يجب على ولاة الأمور، والمسؤولين، ووزارات الإعلام، وأصحاب وسائل النشر، منع تصوير النبي صلى الله عليه وسلم-، صورًا مجسمة، أو غير مجسمة: في القصص، والروايات، والمسرحيات، وكتب الأطفال، والأفلام، والتلفاز، والسينما، وغير ذلك من وسائل النشر، ويجب إنكاره وإتلاف ما يوجد من ذلك.
وكذلك يُمنع ذلك في حقّ الصحابة  رضى الله عنه-؛ فإن لهم من شرف الصحبة، والجهاد مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم-، والدفاع عن الدين، والنصح لله ورسوله ودينه، وحمل هذا الدين والعلم إلينا، ما يوجب تعظيم قدرهم، واحترامهم، وإجلالهم.
ومثل النبي صلى الله عليه وسلم- سائر الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيحرم في حقهم ما يحرم في حق النبي صلى الله عليه وسلم-.
لذا فإن المجلس يقرر: أن تصوير أيِّ واحدٍ من هؤلاء حرامٌ، ولا يجوز شرعًا، ويجب منعه.
وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين. اهـــ

2-فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم (4723) في 11/ 7/ 1402هـ:
س: حكم تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصحابة، والتابعين  رضى الله عنهم-؟ وعن تمثيل الأنبياء، وأتباعهم من جانب، والكفار من جانب آخر؟
ج: أولاً: إن المُشاهَد في التمثيليات التي تُقام، والمعهود فيها طابع اللهو، وزخرفة القول، والتصنّع في الحركات، ونحو ذلك، مما يلفت النظر، ويستميل نفوس الحاضرين، ويستولي على مشاعرهم، ولو أدَّى ذلك إلى ليٍّ في كلام من يُمثّله، أو تحريف له، أو زيادة فيه، وهذا مما لا يليق في نفسه، فضلاً عن أنه يقع تمثيلاً من شخص، أو جماعة للأنبياء، وصحابتهم، وأتباعهم فيما يصدرُ عنهم من أقوال في الدعوة والبلاغ، وما يقومون به من عبادةٍ، وجهادٍ، أداء للواجب، ونصرة للإسلام.
ثانياً: إن الذين يشتغلون بالتمثيل، يغلب عليهم عدم تحري الصدق، وعدم التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وفيهم جرأة على المجازفة، وعدم مبالاة بالانزلاق إلى ما لا يليق، ما دام في ذلك تحقيق لغرضه من استهواء الناس، وكسب للمادة، ومظهر نجاح في نظر السواد الأعظم من المتفرجين، فإذا قاموا بتمثيل الصحابة ونحوهم، أفضى ذلك إلى السخرية، والاستهزاء بهم، والنيل من كرامتهم، والحط من قدرهم، وقضى على ما لهم من هيبة، ووقار في نفوس المسلمين.
ثالثاً: إذا قُدِّر أن التمثيلية لجانبين، جانب الكافرين كفرعون ،وأبي جهل، ومن على شاكلتهما، وجانب المؤمنين كموسى، ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأتباعهم، فإن من يُمثّل الكافرين سيقوم مقامهم، ويتكلم بألسنتهم، فينطق بكلمات الكفر، ويوجه السباب والشتائم للأنبياء، ويرميهم بالكذب، والسحر، والجنون.. إلخ، ويسفه أحلام الأنبياء، وأتباعهم، ويبهتهم بكل ما تسوله له نفسه من الشر، والبهتان، مما جرى من فرعون، وأبي جهل، وأضرابهما مع الأنبياء وأتباعهم، لا على وجه الحكاية عنهم، بل على وجه النطق بما نطقوا به من الكفر والضلال، هذا إذا لم يزيدوا من عند أنفسهم ما يُكسب الموقف بشاعة، ويزيده نكراً وبهتاناً، وإلا كانت جريمة التمثيل أشدّ، وبلاؤها أعظم.
وذلك مما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من الكفر، وفساد المجتمع، ونقيصة الأنبياء والصالحين.
رابعاً: دعوى أن هذا العرض التمثيلي لما جرى بين المسلمين والكافرين طريقٌ من طرق البلاغ الناجح، والدعوة المؤثرة، والاعتبار بالتاريخ، دعوى يردها الواقع، وعلى تقدير صحتها، فشرها يطغى على خيرها، ومفسدتها تربو على مصلحتها.
وما كان كذلك يجب منعه، والقضاء على التفكير فيه.
خامساً: وسائل البلاغ، والدعوة إلى الإسلام، ونشره بين الناس كثيرة، وقد رسمها الأنبياء لأممهم، وآتت ثمارها يانعة؛ نصرة للإسلام، وعزة للمسلمين، وقد أثبت ذلك واقع التاريخ.
فلنسلك ذلك الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.
ولنكتفِ بذلك عما هو إلى اللعب، وإشباع الرغبة والهوى، أقرب منه إلى الجدّ، وعلوّ الهمة.
ولله الأمر كله من قبل ومن بعد، وهو أحكم الحاكمين.
وبالله التوفيق، وصلّى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. اهــــ

3-قرار هيئة كبار العلماء رقم (13) وتاريخ 16\ 4 \ 1393 هـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن هيئة كبار العلماء في دورتها الثالثة المنعقدة فيما بين 1\ 4 \ 1393هـ، و10\4\1393هـ، قد اطّلعت على خطاب المقام السامي رقم (44\ 93\1)، وتاريخ 1\1\1393 هـ، الموجّه إلى رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والذي جاء فيه ما نصه:
«نبعث إليكم مع هذا الرسالة الواردة إلينا من طلال ابن الشيخ محمود البسني المكي مدير عام شركة لونا: فيلم من بيروت، بشأن اعتزام الشركة عمل فيلم سينمائي، يصور حياة (بلال) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم-، ونرغب إليكم بعد الاطلاع عليها، عرض الموضوع على كبار العلماء؛ لإبداء رأيهم فيه، وإخبارنا بالنتيجة»:
وبعد اطلاع الهيئة على خطاب المقام السامي، وما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك، وتداول الرأي فيه، قررت الهيئة بالإجماع ما يلي:
1 - أن الله سبحانه وتعالى- أثنى على الصحابة، وبين منزلتهم العالية، ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية، أو فيلم سينمائي، منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله تعالى عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم، وأكرمهم بها.
2 - أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية، والاستهزاء به، ويتولاّه أناس غالباً ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة، والأخلاق الإسلامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ، فيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعاً مزرياً، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم-، وتخفّ الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم، والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم-، ويتضمّن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله، ويجري على لسانه سبّ بلال، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم-، وما جاء به من الإسلام، ولا شك أن هذا منكر، وكما يتخذ هدفاً لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم، وكتاب ربهم، وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم-.
3 - ما يقال من وجود مصلحة، وهي: إظهار مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة، وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه؛ رغبة في العبرة والاتعاظ: فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين، وما يهدفون إليه، عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين، ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.
4 - من القواعد المقررة في الشريعة: أن ما كان مفسدة محضة، أو راجحة؛ فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة؛ فرعاية للمصلحة، وسداً للذريعة، وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- يجب منع ذلك.
وقد لفت نظر الهيئة ما قاله طلال من أن محمداً صلى الله عليه وسلم-، وخلفاءه الراشدين هم أرفعُ من أن يظهروا صورة، أو صوتاً في هذا الفيلم.
لفت نظرهم إلى أن جرأة أرباب المسارح على تصوير (بلال  رضى الله عنه-)، وأمثاله من الصحابة، إنما كان لضعف مكانتهم، ونزول درجتهم في الأفضلية عن الخلفاء الأربعة، فليس لهم من الحصانة والوجاهة ما يمنع من تمثيلهم، وتعريضهم للسخرية، والاستهزاء في نظرهم، فهذا غير صحيح؛ لأن لكل صحابي فضلاً يخصه، وهم مشتركون جميعاً  رضى الله عنهم- في فضل الصحبة، وإن كانوا متفاوتين في منازلهم عند الله جل وعلا، وهذا القدر المشترك بينهم، وهو فضل الصحبة، يمنع من الاستهانة بهم. وصلّى الله، وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه. اهــــ

4-قرار هيئة كبار العلماء رقم (107) في 2 \ 11\ 1403هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
ففي الدورة العشرين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف من 25\ 10\ 1402هـ حتى 6\ 11\ 1402هـ اطَّلَعَ المجلسُ على الأمر السامي رقم (1244) وتاريخ 26\ 7\ 1402 هـ المتضمن الرغبة الكريمة في قيام مجلس هيئة كبار العلماء بالنظر في موضوع تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتمثيل الصحابة والتابعين  رضى الله عنهم-، وحكم تمثيل الأنبياء وأتباعهم من جانب، والكفار من جانب آخر.
بعد صدور الفتوى رقم (4723) وتاريخ 11\ 7\ 1402هـ من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بتحريم ذلك؛ لأن الموضوع من الأمور المهمَّة والحسّاسة، ولا يقتصر أثره على هذه الدولة، بل يتعدَّاها إلى سواها من الدول الإسلامية الأخرى، ولأنه سبق أن أُجيز مثل هذا العمل من عدد من مشايخ الدول الإسلامية، وبما أنه سوف يترتب على البتِّ فيه كثيرٌ من الأمور التي لها مساسٌ بوسائل الإعلام المختلفة، وما يترتب على ذلك إنتاج وبث كثير من البرامج، أو منعها نهائياً، ولأن بعض الدول الإسلامية قد تأخذ المملكة قدوة في ذلك إذا دُرِس من قبل مجلس هيئة كبار العلماء.
وَلمَّا استمع المجلس إلى فتوى اللجنة الدائمة، رأى أن الموضوع يحتاج إلى مزيدٍ من النظر والتأمل، فأجّل البتَّ فيه إلى دورة أخرى.
وفي الدورة الثانية والعشرين المنعقدة بمدينة الطائف من العشرين من شهر شوال حتى الثاني من شهر ذي القعدة عام 1403 هـ، أعاد المجلس النظر في الموضوع، ورجعَ إلى قراره السابق رقم (13)، وتاريخ 16\ 4\1393هـ، وإلى الكتاب المرفوع من المجلس بتوقيع رئيس الدورة الخامسة إلى جلالة الملك فيصل / برقم (1875 / 1)، وتاريخ 27\ 8\ 1394 هـ، المتضمِّن تأييد مجلس هيئة كبار العلماء لما قرَّره مؤتمر المنظمات الإسلامية من تحريم إظهار فيلم محمد رسول الله، وإخراجه، ونشره، سواء فيما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم-، أو بأصحابه الكرام  رضى الله عنهم-؛ لِما في ذلك من تعريض مقام النبوة، وجلال الرسالة، وحُرمة الإسلام، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم- للازدراء، والاستهانة، والسخرية، وبعد المناقشة، وتداول الرأي، قرّر المجلسُ تأييدَ رأيه السابق الذي تضمَّنه القرار، والكتاب المشار إليهما آنفاً.
والله ولي التوفيق، وصلَّى الله وسلّم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه. اهــــ

5-فتوى العلامة ابن باز رحمه الله:  "استنكار إخراج فيلم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد فقد اطلعت على ما نشرته مجلة المجتمع الكويتية في عددها 162 الصادر بتاريخ 9 / 7 / 1393 هـ تحت عنوان (فيلم محمد رسول الله) وقد تضمن الخبر المذكور أنه خلال الأيام الماضية تم التوقيع على عقد تأسيس الشركة العربية للإنتاج السينمائي العالمي، وتولى التوقيع ممثلو حكومات ليبيا والكويت والمغرب والبحرين، وأن الشركة المذكورة تعاقدت مع المخرج مصطفى عقاد لإنتاج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حياته وتعاليمه (بالسينما سكوب) والألوان، يستمر عرضه ثلاث ساعات ويخرج بعشرين لغة عالمية بما فيها العربية.
وذلك بالاستناد إلى قصة أقرها الأزهر والمجلس الشيعي الأعلى واشترك في صياغتها توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار وعبد الرحمن الشرقاوي ، انتهى الخبر المذكور، ولكون ذلك فيما نعتقد أمرا منكرا، وحدثا خطيرا يترتب عليه مفاسد كبرى، وأضرار عظيمة واستهانة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وتعريض لذاته الشريفة إلى التلاعب بها والاستهزاء والتنقص- رأيت المساهمة في إنكار هذا المنكر، والإهابة بالدول الأربع الموافقة على إخراجه بالرجوع عن ذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ، واحتراما له، واحترازا عن تعريض ذاته الشريفة للتنقص والاستهانة والسخرية .
ومعلوم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل وقد عرض هذا الموضوع على المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة فقرر: تحريم إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحريم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم، وذلك في المادة السادسة من قراره المتخذ في دورته الثالثة عشرة المنعقدة خلال المدة من 1 شعبان 1391 هـ إلى 13 شعبان 1391 هـ، وهذا نص المادة المذكورة:
1- يقرر المجلس التأسيسي بالإجماع تحريم إخراج فيلم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من تمثيله صلى الله عليه وسلم بآلة التصوير الكاميرا مشيرة إليه وإلى موضعه وحركاته وسائر شئونه بالتحديد، وتمثيل بعض الصحابة رضي الله عنهم في مواقف عديدة ومشاهد مختلفة وهو محرم بالإجماع.
2- يوصي المجلس الأمانة العامة للرابطة بإبلاغ هذا القرار لجميع الدول الإسلامية، والمنظمات الإسلامية، والجمعيات الدينية في البلاد العربية والإسلامية ووزارات الإعلام، ومشيخة الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، والصحف، والإذاعات في البلاد الإسلامية كافة.
3- يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، بإخطار مخرج هذا الفيلم بهذا القرار جوابا على طلبه الأخير بإخراج الفيلم وإنذاره بأن الأمانة العامة للرابطة ستتخذ الإجراءات القانونية ضد كل من يحاول الاعتداء على قدسية وحرمة صاحب الرسالة العظمى صلى الله عليه وسلم ، وحرمة أصحابه الأكرمين في أية جهة من العالم.
4- يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بوضع رسالة في حرمة إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين تضم ما أجرته الأمانة العامة للرابطة بشأنه في جميع مراحله، وما صدر فيه من قرارات في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الأخرى، وما صدر بشأنه من القرارات والفتاوى في البلاد الإسلامية عامة، ونشر ذلك في البلاد الإسلامية تبصرة وتنويرا وإرشادا وتحذيرا.
يشكر المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي على ما قامت به من جهود موفقة في هذا الموضوع الخطير. اهــ من "فتاوى ابن باز " (1/413)

6- فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1/712) رقم ( 2044 ):
«س: هل يجوزُ تمثيل الصحابة  رضى الله عنهم- لأننا نقدِّم تمثيليات، وقد أوقفنا إحداها رغبة في معرفة الحكم؟.
ج: تمثيل الصحابة  رضى الله عنهم-، أو أحد منهم ممنوع؛ لِما فيه من الامتهان لهم، والاستخفاف بهم، وتعريضهم للنيل منهم، وإن ظُنَّ فيه مصلحة، فما يؤدّي إليه من المفاسد أرجح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع، وقد صدر قرارٌ من مجلس هيئة كبار العلماء في منع ذلك.
وبالله التوفيق، وصلّى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. اهـــ

 أخيرا:
هذا مختصر مما يقال في هذه المسألة من إنكار على فعل شنيع وادعاء سيء، لا يقوم به الصالحون أبدًا، وإنما يقوم به من لم يعظم الحق في قلبه ،وقاده هواه وطغيانه إلى الهوى والعياذ بالله
ونصيحتنا للمسلمين بإنكار هذا، وعدم نشره وتداوله  في القنوات والمجلات والمواقع الإخبارية وغيرها، فنشره من التعاون على الإثم والعدوان وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]


والحمد لله رب العالمين
كان الانتهاء منه ليلة السبت الثاني من جماد الأول 1436هجرية
أبو حمزة محمد بن حسن السِّوَرِي

غفر الله له ولوالديه

حمل المقال بصيغة بي دي اف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.