معنى ردغة وطينة الخبال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وبه
نستعين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد:
فقد جاء في عدة أحاديث ما يبين
ويشرح معنى ردغة الخبال وطينة الخبال
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ، وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ،
فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ
مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ
يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ
الله، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ
أَهْلِ النَّارِ» أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» رواه مسلم
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ مُخَمِّرٍ
خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا بُخِسَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ
صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا
عَلَى الله أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» ، قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «صَدِيدُ
أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيرًا لَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ،
كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» رواه أبو داود وغيره وصححه الإمام الألباني رحمه الله
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله، فَقَدْ ضَادَّ الله، وَمَنْ
خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ الله حَتَّى يَنْزِعَ
عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الْخَبَالِ
حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» رواه أبو داود وغيره وصححه الإمام الألباني رحمه الله
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُحْشَرُ
المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ
الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ
تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ
أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ» رواه الترمذي
وغيره وحسنه الإمام الألباني رحمه الله
قال ابن الأثير رحمه الله في «النهاية» (2/ 215):«والرَّدَغَةُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا: طِينٌ وَوَحْلٌ كَثِيرٌ،
وَتُجْمَعُ عَلَى رَدَغٍ ورِدَاغٍ».اهــ
وقال الأزهري في «تهذيب اللغة» (8/ 76)«وَأما الرَّدَغَةُ فَهِيَ بِالْهَاءِ، وَهِي الماءُ والطين والوحل،
وجَمْعها رِداغ».اهــ
وقال ابن منظور رحمه الله في «لسان
العرب » (8/ 426):«ردغ: الرَّدْغُ والرَّدَغةُ
والرَّدْغةُ، بِالْهَاءِ: الْمَاءُ وَالطِّينُ والوَحَل الْكَثِيرُ الشديدُ؛ الْفَتْحُ
عَنْ كُرَاعٍ، وَالْجَمْعُ رِداغٌ ورَدَغٌ. وَمَكَانٌ رَدِغٌ: وَحِلٌ. وارتَدغَ الرجلُ:
وقَعَ فِي الرِّداغِ أَو فِي الرَّدْغةِ» اهــ
وقال رحمه الله أيضا (3/ 1625)« رَدَغَةِ الخَبالِ جاء تفسيرها في الحديث أَنها عُصارةُ أَهلِ النار
وقيل هو الطين والوَحَلُ الكثيرُ »اهــ
وقال القرطبي رحمه الله في «المفهم » (17/ 9):«وقد فسَّر « طينة الخبال »
بأنها عُصَارة أهل النار . وفي حديث آخر : « صديد أهل النار ». وسُمِّي ذلك بطينة الخبال
لأنها تخبل عقل شاربها ، وتفسد حاله . مأخوذ من الخبل في العقل ، والله تعالى أعلم»
اهـ.
وقال الخطابي رحمه الله في «معالم السنن» (4/ 168):«قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عمارة بن غزية عن
يحيى بن راشد قال جلسنا لعبد الله بن عمر فخرج إلينا فقال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال.
قال الشيخ: الردغة الوحل الشديد، ويقال ارتدغ الرجل إذا ارتطم في الوحل.
وجاء في تفسير ردغة الخبال أنها عصارة أهل النار ».اهــ
وقال الطيبي رحمه الله في «شرح
المشكاة » (8/ 2537)«. قوله: «ردغة الخبال»
جاء تفسيرها في الحديث أنها عصارة أهل النار، والردغة - بسكون الدال وفتحها - طين ووحل
كثير، ويجمع على ردغ ورداغ. والخبال في الأصل الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول.
».اهـ
وقال صاحب "عون المعبود" (10/ 5):"وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قُلْتُ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُرَادَ بِالْخَبَالِ الْعُصَارَةُ وَالرَّدْغَةُ الطِّينُ الْحَاصِلُ بِاخْتِلَاطِ الْعُصَارَةِ بِالتُّرَابِ" انْتَهَى
وقال صاحب "عون المعبود" (10/ 5):"وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قُلْتُ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُرَادَ بِالْخَبَالِ الْعُصَارَةُ وَالرَّدْغَةُ الطِّينُ الْحَاصِلُ بِاخْتِلَاطِ الْعُصَارَةِ بِالتُّرَابِ" انْتَهَى
فتبين من هذا أن ردغة وطينة الخبال هو صديد أهل النار وما يخرج من
أجسامهم بعد أن يذاب من في بطونهم بعد صب الحميم عليهم، فيخرج ويتجمع ويصير أوحالا كبيرة في نار جهنم والعياذ بالله
قال الإمام عبد الرزاق في «تفسيره» (2/ 399): أرنا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج: 20] , قَالَ: «يُذَابُ مَا
فِي بُطُونِهِمْ»
وأخرجه الطبري رحمه الله في تفسيره من طريق شيخه الْحَسَن قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
،به
قال الإمام الطبري رحمه الله في «تفسيره» (16/ 496):«وَقَوْلُهُ: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:
20] يَقُولُ: يُذَابُ بِالْحَمِيمِ الَّذِي يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ مَا فِي
بُطُونِهِمْ مِنَ الشُّحُومِ، وَتُشْوَى جُلُودُهُمْ مِنْهُ فَتَتَسَاقَطُ. وَالصَّهْرُ:
هُوَ الْإِذَابَةُ، يُقَالُ مِنْهُ: صَهَرْتُ الْأَلْيَةَ بِالنَّارِ: إِذَا أَذَبْتُهَا
, أَصْهَرُهَا صَهْرًا......وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
»اهــ
وقال ابن عطية في تفسيره «المحرر الوجيز » (4/ 476):«و «الحميم» السخن جدا من الماء ونحوه، فيريد به هاهنا شرابهم الذي
هو طينة الخبال صديدهم وما ينماع منهم »اهــ
كتبه أبو حمزة محمد بن حسن السوري
الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر شوال 1437
مكة المكرمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.